من اكتشاف الإجزاء على أساس استظهاري من نفس دليل الحكم الظاهري ، وإن لم يوجد الدليل الاستظهاري أيضا رجعنا إلى الأصل الأوّلي في المسألة وهو عدم الإجزاء ؛ لأنّ إجزاء غير المأمور به من المأمور به يحتاج إلى دليل ؛ لأنّه خلاف تحقّق الإطاعة والامتثال للأمر المولوي. ولذلك سوف نستعرض الأقوال في هذه المسألة مع أدلّة كلّ واحد منها فنقول :
قد يقال بالإجزاء بدعوى الملازمة العقليّة بين الأمر الظاهري وبينه ؛ لأنّ الأمر الظاهري في حالات المخالفة للواقع يكشف عن وجود مصلحة في مورده على نحو يستوفي به الملاك الواقعي الذي يفوّت على المكلّف بسبب التعبّد بالحجّة الظاهريّة ، وذلك ببرهان : أنّه لو لا افتراض مصلحة من هذا القبيل لكان جعل الأمر الظاهري قبيحا ؛ لأنّه يكون مفوّتا للمصلحة على المكلّف وملقيا له في المفسدة ، ومع اكتشاف مصلحة من هذا القبيل يتعيّن الإجزاء فلا تجب الإعادة فضلا عن القضاء لحصول الملاك الواقعي واستيفائه ، والبناء على الاكتشاف المذكور يسمّى بالقول بالسببيّة في جعل الحجّيّة ، بمعنى أنّ الأمارة الحجّة تكون سببا في حدوث ملاك في موردها.
القول الأوّل : هو إجزاء الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي عقلا على أساس مسلك السببيّة.
وهذا القول مبني على أنّ الحكم الظاهري مجعول على أساس المصلحة الموجودة فيه ، وهو ما يسمّى بالسببيّة.
وتوضيح ذلك : تقدّم سابقا أنّه توجد إشكالات على جعل الحكم الظاهري يطلق عليها إشكالات ابن قبة ، وكانت تتمحور في أنّ جعل الحكم الظاهري مستحيل ؛ لأنّه يؤدّي إلى أحد محاذير ثلاثة :
الأول : لزوم اجتماع الضدّين في حالة المخالفة بين الحكم الظاهري والواقعي ، أو لزوم اجتماع المثلين في حالة توافقهما.
الثاني : لزوم تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة فيما إذا كان الحكم الظاهري مخالفا للواقع ؛ لأنّ المصالح والمفاسد ـ بناء على مذهب العدليّة ـ واقعيّة ومشتركة بين العالم والجاهل.