الثالث : عدم إمكان تنجّز التكليف المشكوك ؛ لأنّ الحكم الظاهري مورده الشكّ ومع الشكّ تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
وقد أجيب عن هذه الإشكالات بأجوبة عديدة ؛ كان منها القول بالسببيّة من جعل الحكم الظاهري ، بمعنى أنّ الشارع عند ما جعل الحكم الظاهري فقد جعله لمصلحة فيه ، فيكون الحكم الظاهري سببا لحدوث تلك المصلحة ، وعلى أساس هذه المصلحة المفترضة الوجود سوف تندفع شبهات ابن قبة كما ذكر في محلّه.
وفي مقامنا يقال : إنّ جعل السببيّة في الحكم الظاهري لن يؤدّي إلى تفويت المصلحة والإيقاع في المفسدة ؛ لأنّ المكلّف إذا أخذ بالحكم الظاهري في مورده فسوف تكون هناك مصلحة في هذا الحكم مساوية أو لا تقلّ أهمّيّة عن مصلحة الواقع ، وبها يتدارك ما فات من مصلحة الواقع.
وبالتالي فإنّ الملاك الواقعي الذي فات المكلّف عند انكشاف الخطأ في الحكم الظاهري وكون الواقع على خلافه كان متداركا ، وبالتالي لا يكون هناك تفويت للملاك وإن لم يمتثل المكلّف المأمور به إلا أنّ هذا يكفي ؛ لأنّ أحد ملاكي الإجزاء هو تحصيل الغرض والملاك من الأمر ولو من غير طريق الإتيان بالمتعلّق والمأمور به.
إذا جعل السببيّة يؤدّي إلى الإجزاء لا محالة ، والدليل على ذلك هو أنّ جعل الحكم الظاهري من دون أن يفترض فيه هذه المصلحة المساوية لمصلحة الواقع ، فسوف يكون جعله قبيحا ؛ لأنّه يؤدّي إلى المحاذير التي ذكرها ابن قبة فيكون جعله قبيحا ومستحيلا صدوره من الشارع ، فلمّا كان الحكم الظاهري ثابتا وصادرا من الشارع كشف ذلك عن وجود تلك المصلحة ، وبهذه المصلحة يحصّل المكلّف الملاك فلا تجب الإعادة فضلا عن القضاء ؛ لأنّه لا موضوع لهما (١).
__________________
(١) هذه السببيّة قال بها بعض أصحابنا ، وفي مقابلها يوجد نحوان من السببيّة :
أحدهما : السببيّة التي قال بها الأشاعرة والتي تفترض عدم وجود حكم واقعي في مرتبة سابقة عن الحكم الظاهري ، وإنّما الواقع هو ما أدّى إليه الدليل.
والآخر : السببيّة التي قال بها المعتزلة ، والتي تفترض وجود أحكام واقعيّة ولكنّها مقيّدة بعدم قيام الحجّة والدليل على خلافها ، وإلا فإنّها تتبدّل.
وعلى أساس هذين القولين من السببيّة سوف يكون الحكم الظاهري مجزيا بلا إشكال ، إلا أنّ المبنيين يؤدّيان إلى التصويب وهو باطل جزما ؛ لأنّ الأحكام مشتركة بين العالم ...