والمصداق وعدم كون أحدهما ضروري الوقوع ـ غير متحقّقين في المقام ، فلا يمكن التكليف بهما معا ولو بنحو مشروط.
وهذا المقدار ممّا لا إشكال ولا كلام فيه عند أحد من الأصوليّين ، وليس هو محلّ البحث والنزاع بينهم. وإنّما الكلام فيما إذا كان هناك بعض الخصوصيّات في الأمر والنهي قد تخرجهما عن كونهما مجتمعين على شيء واحد ، فإنّه يبحث في كفاية ذلك لزوال الامتناع والتعارض أو عدم كفايته.
ولتوضيح هذا نقول :
تارة يكون الأمر والنهي متعلّقين بموضوعين متّحدين ذاتا ومصداقا أي متّحدين بلحاظ المفهوم وبلحاظ المصداق ، كما إذا قيل : ( صلّ ) و ( لا تصلّ ) فهنا لا إشكال في الامتناع ونشوء التعارض بينهما ، وهذا خارج عن محلّ الكلام.
وأخرى يكون الأمر والنهي متعلّقين بموضوعين متغايرين ذاتا ومصداقا أي متغايرين من حيث المفهوم ومن حيث المصداق ، كما إذا قيل : ( صلّ ) و ( لا تشرب الخمر ) فإنّه لا إشكال في إمكان اجتماعهما ؛ لأنّ مبادئ الأمر متعلّقة بغير ما تعلّقت به مبادئ النهي ؛ ولأنّ المكلّف يقدر على الصلاة وعلى عدم شرب الخمر. فهنا لا إشكال في صدور مثل هذين التكليفين ، وهذا خارج عن محلّ الكلام أيضا.
وثالثة يكون الأمر والنهي متعلّقين بموضوعين متغايرين ذاتا ومفهوما ولكنّهما متّحدين مصداقا. كما إذا قيل : ( صلّ ) و ( لا تصلّ في الحمّام ) أو قيل : ( صلّ ) و ( لا تغصب ). فهنا وقع البحث والنزاع بين الأصوليّين في كفاية ذلك لزوال الامتناع والتعارض أو عدم كفايته.
فإذا صلّى المكلّف في الحمام أو في المكان المغصوب ، فهل يكون الأمر والنهي مجتمعين على شيء واحد ليقال بالامتناع والتعارض ، أو أنّ التغاير العنواني يكفي في نفسه أو لا يكفي إلا إذا أدّى إلى التغاير في المعنون؟ ومن هنا اتّجه البحث الأصولي حول هذه المسألة بقسميها :
الأوّل : في التغاير العنواني بنحو الأمر بالإطلاق والنهي عن الحصّة.
الثاني : في التغاير العنواني بنحو يكون بينهما عموم وخصوص من وجه ، أي التباين في المفهوم والاتّحاد في المصداق ، ولذلك قال السيّد الشهيد :