هذا هو التصوّر الصحيح للمسألة ، غير أنّه يوجد تصوّر آخر ذكره الميرزا ولذلك قال :
غير أنّ مدرسة المحقّق النائيني رحمهالله (١) برهنت على التنافي بين الأمر بالمطلق والنهي عن الحصّة بطريقة أخرى منفصلة عن الاستبطان المذكور وهي :
إنّ الأمر بالمطلق يعني أنّ الواجب لوحظ مطلقا من ناحية حصصه ، والإطلاق مؤدّاه الترخيص في تطبيق الجامع على أيّة واحدة من تلك الحصص ، وهذا متعدّد بعدد الحصص ، وعليه فالترخيص في تطبيق الجامع على الحصّة المنهيّ عنها ينافي هذا النهي لا محالة ؛ لأنّ نفس الحصّة معروضة لهما معا.
فالتنافي لا يقع بالذات بين النهي عن الحصّة والأمر بالمطلق ، بل بين النهي عن الحصّة والترخيص فيها الناتج عن إطلاق متعلّق الأمر.
ذهب الميرزا ومدرسته إلى امتناع الأمر بالمطلق والنهي عن الحصّة لاستلزامه اجتماع النهي والترخيص معا ، وهما متضادّان سواء في عالم المبادئ والملاكات أم في عالم الامتثال والمتطلّبات والقدرة.
وبيان ذلك أن يقال : إنّ الأمر لمّا كان متعلّقا بالجامع وبالطبيعة بنحو صرف الوجود أي الإطلاق البدلي ، فهذا يعني أنّ الواجب وهو ما تعلّق به الأمر مطلق أيضا ، وهنا العقل ينتزع من هذا الإطلاق جواز تطبيق الجامع أو الطبيعة على أيّ فرد أو حصّة ، فهو يرخّص للمكلّف في تطبيق الجامع على هذا أو ذاك ، فهو ترخيص يشمل تمام الأفراد والحصص.
وحينئذ نقول : إنّ الحصّة التي تعلّق بها النهي قد شملها هذا الترخيص والجواز ، ممّا يعني أنّها منهيّ عنها وفي نفس الوقت يجوز فعلها ؛ لأنّ العقل قد رخّص في تطبيق الجامع عليها. ومن الواضح أنّ اجتماع النهي مع الجواز أو الترخيص كاجتماعه مع سائر الأحكام التكليفيّة ممتنع في نفسه بلحاظ المبادئ والملاكات.
وبتعبير آخر : إنّ التنافي بلحاظ المبادئ والملاكات لا يكون أوّلا وبالذات بين الأمر والنهي ؛ لأنّنا لا نقول بسراية الوجوب أو الحبّ من الجامع إلى الفرد ، وإنّما هو بلحاظ ما يستلزمه الأمر بالجامع عقلا من جواز تطبيق الجامع على كلّ أفراده على حدّ واحد
__________________
(١) راجع فوائد الأصول ٢ : ٤٣٥ ـ ٤٣٦.