ثالثا : أن يلتزم بانخرام قاعدة وجوب المقدّمة ، فيقال بوجوب المقدّمة في غير هذه الحالة مع التسليم بكونها مقدّمة ، فيكون الخروج محرّما فقط.
فهنا أقوال ثلاثة :
أمّا الوجه الأوّل فحاصله : أنّ الخروج والبقاء متضادّان ، والواجب هو ترك البقاء ، وفعل أحد الضدّين ليس مقدّمة لترك ضدّه ؛ كما تقدّم في الحلقة السابقة (١).
وهذا الوجه حتّى إذا تمّ لا يحلّ المشكلة على العموم ؛ لأنّ هذه المشكلة لا نواجهها في هذا المثال فقط ، بل في حالات أخرى لا يمكن إنكار المقدّميّة فيها من قبيل من سبّب بسوء اختياره إلى الوقوع في مرض مهلك ينحصر علاجه بشرب الشراب المحرّم ، فإنّ مقدّميّة الشرب في هذه الحالة واضحة.
الوجه الأوّل : ما ذكره المحقّق الأصفهاني من أنّ الخروج لا يمكن أن يتّصف بكونه مقدّمة للواجب ؛ وذلك لأنّ الواجب وهو تخليص نفسه من الغصب ليس إلا عنوانا مشيرا لترك الحرام ، وهو هنا البقاء في المغصوب فيكون الواجب هو ترك البقاء في المغصوب.
وحيث إنّ الخروج والبقاء ضدّان لكونهما فعلين وجوديين ، فلو كان الخروج مقدّمة لترك البقاء للزم من ذلك أن يكون أحد الضدّين وهو الخروج مقدّمة لعدم الضدّ الآخر أي لعدم البقاء أو لترك البقاء.
ومن الواضح : أنّ الضدّين كما لا يمكن أن يكون أحدهما علّة للآخر ، كذلك لا يمكن أن يكون أحدهما علّة لعدم الآخر ، ولذلك يمتنع اتّصاف الخروج بكونه مقدّمة.
والوجه في أنّ أحد الضدّين لا يكون علّة للآخر أو علّة لعدم الآخر ، ما تقدّم منّا سابقا في الحلقة الثانية ، وملخّصه : أنّ المقدّمة تكون بمثابة العلّة أو الجزء الأخير من العلّة ، وفعل أحد الضدّين أو تركه ليست علّته فعل أو ترك الضدّ الآخر ، بل علّته إرادة المكلّف الفعل أو الترك ، فإن أراد فعل هذا الضدّ كان لازم ذلك تركه للضدّ الآخر وإن أراد ترك هذا الضدّ كان لازمه فعل الضدّ الآخر ، فترك الضدّ أو فعله
__________________
(١) في بحث الدليل العقلي ، تحت عنوان : اقتضاء وجوب الشيء لحرمة ضدّه.