فإن قيل بالامتناع ووقوع التعارض بين الدليلين ، قدّم دليل النهي كما قلنا ؛ لأنّه أقوى بسبب إطلاقه الشمولي ، وحينئذ يكون الإتيان بالصلاة في المكان المغصوب باطلا وليس امتثالا للمأمور به.
والوجه في ذلك : هو أنّ دليل الأمر قد سقط بسبب وجود المعارض الأقوى ، ومع سقوطه لا يكون ما أتى به المكلّف مصداقا للمأمور به ؛ لأنّه ليس مشمولا لإطلاق الأمر البدلي عندئذ ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون الواجب عباديّا أو توصّليّا.
ووجه عدم الإجزاء هو أنّ الإجزاء إنّما يكون بأحد أمرين كلاهما منتف هنا :
الأوّل : الإتيان بالمأمور به بحيث يكون ما أتى به مصداقا للواجب المأمور به. وهذا واضح الانتفاء هنا ؛ لأنّ الأمر لمّا كان ساقطا إطلاقه عن المجمع فلا يكون فعل الصلاة في المكان المغصوب امتثالا للواجب المأمور به ؛ إذ لا أمر بالصلاة في هذه الحالة.
الثاني : الإتيان بالملاك ، وحيث إنّ الملاك لا يعرف إلا من قبل إطلاق الدليل أو إطلاق المدلول ، ولكن حيث تقدّم سابقا أنّ الإطلاق في كلا النحوين لا يكفي لاستفادة وجود الملاك ، فلا يكون هناك دليل على ثبوت الملاك.
أمّا إطلاق الدليل فالمفروض سقوطه لوجود المعارض الأقوى ، وأمّا إطلاق المدلول فهو لا يدلّ إلا على إطلاق الحكم ، وإطلاق الحكم لا يبقى مع فرض سقوط إطلاق الدليل ؛ لأنّه يستفاد من الدليل ، والحال أنّ الملاك مدلول التزامي فيسقط تبعا لسقوط المدلول المطابقي.
وإذا انتفى كلا الملاكين للإجزاء احتاج الإجزاء إلى دليل خاصّ وهو منتف في المقام أيضا.
هذا كلّه على الامتناع.
وإذا بني على عدم التعارض فينبغي التفصيل بين أن يكون الواجب توصّليّا أو عباديّا.
فإن كان توصّليّا صحّ وأجزأ سواء وقع التزاحم لعدم المندوحة أو لا ؛ لأنّه مصداق للواجب ، والأمر ثابت به على وجه الترتّب في حالة التزاحم وعلى الإطلاق في حالة عدم التزاحم ووجود المندوحة.