ولذلك سوف نتكلّم عن حقيقة هاتين الصفتين ولو بشيء من الاختصار فنقول :
وعلى هذا نعرف أنّ الحسن والقبح صفتان واقعيّتان يدركهما العقل كما يدرك سائر الصفات والأمور الواقعيّة ، غير أنّهما تختلفان عنها في اقتضائهما بذاتهما جريا عمليّا معيّنا خلافا للأمور الواقعيّة الأخرى.
وعلى هذا الأساس يمكن أن يقال : إنّ الحكم النظري هو إدراك الأمور الواقعيّة التي لا تقتضي بذاتها جريا عمليّا معيّنا ، والحكم العملي هو إدراك الأمور الواقعيّة التي تقتضي بذاتها ذلك.
الحسن والقبح :
الحسن والقبح من مدركات الحكم العقلي العملي ؛ وذلك لأنّهما صفتان واقعيّتان يتّصف بهما الفعل في الواقع ، أي في واقع الأمر الأعمّ من الوجود الخارجي المادي ، وهو ما يعبّر عنه بنفس الأمر.
فالحسن : هو الفعل الذي يستحقّ المدح ، بينما القبح : هو الفعل الذي يستحقّ الذمّ. فهما متعلّقان بالفعل بحيث إذا كان حسنا فهو ينبغي صدوره من الفاعل ويستحقّ المدح عليه كالصدق والوفاء والإخلاص والمروءة والإحسان. وأمّا إذا كان قبيحا فهو ممّا لا ينبغي صدوره من الفاعل ويستحقّ الذمّ عليه كالكذب والخيانة والظلم والعدوان والإساءة ، وهاتان صفتان للفعل بحدّ ذاته ونفسه وبقطع النظر عن وجود الموانع أو حالات التزاحم.
والحسن والقبح كغيرهما من الأمور والصفات الواقعيّة الحقيقيّة ، غير أنّهما يختلفان عنها ، فهناك نقطة اشتراك وهي كونهما واقعيّتين أي لهما واقع قبل تحقّقهما في الخارج وقبل صدورهما من الفاعل ، فقبل صدورهما من الفاعل يدرك العقل الحسن والقبح في الفعل ذاته ، وهذا إدراك لما هو كائن وموجود ، ثمّ بعد ذلك يحكم بأنّه ينبغي أن يقع هذا الفعل الحسن من الفاعل ، وينبغي ألاّ يقع الفعل القبيح من الفاعل ، وهذا إدراك لما ينبغي أو لا ينبغي أن يقع. وهذه هي نقطة الاختلاف بينهما وبين سائر الأمور الواقعيّة الأخرى.
وبتعبير آخر : إنّ الحسن والقبح يشتركان مع سائر الأمور الواقعيّة بوجودها الواقعي ، فاستحالة اجتماع النقيضين أو الضدّين أو المثلين من الأمور الواقعيّة الحقيقيّة ، وهكذا