الملازمة بين الحكم النظري وحكم الشارع
لا شكّ في أنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح والمفاسد ، وأنّ الملاك متى ما تمّ بكلّ خصوصيّاته وشرائطه وتجرّد عن الموانع عن التأثير كان بحكم العلّة التامّة الداعية للمولى إلى جعل الحكم على طبقه وفقا لحكمته تعالى.
وعلى هذا الأساس فمن الممكن نظريّا أن نفترض إدراك العقل النظري لذلك الملاك بكلّ خصوصيّاته وشئونه ، وفي مثل ذلك يستكشف الحكم الشرعي لا محالة استكشافا لمّيّا ، أي بالانتقال من العلّة إلى المعلول.
المقام الأوّل : في تحقيق حال الملازمة بين حكم العقل النظري وبين حكم الشارع.
المراد من حكم العقل النظري : هو إدراكه للصفة الواقعيّة الموجودة في عالم الواقع ونفس الأمر ، والمقصود هنا ليس كلّ الصفات وإنّما خصوص صفتي المصلحة والمفسدة ، وأمّا سائر الصفات الواقعيّة الأخرى ـ كاستحالة اجتماع النقيضين أو الضدّين أو المثلين أو استحالة الدور والتسلسل اللامنتهى والخلف ـ فهذه كلّها لا ارتباط لها في البحث ؛ وذلك لأنّ الكلام عن الملازمة بين هذا الإدراك العقلي وبين حكم الشارع.
وحكم الشارع : عبارة عن جعله الإيجاب أو التحريم على متعلّقيهما ، وحيث إنّ الأحكام تابعة للمفاسد والمصالح في متعلّقاتهما كما هو الصحيح فيكون الإيجاب كاشفا عن المصلحة والتحريم كاشفا عن المفسدة ، ومن هنا صح طرح البحث عن الملازمة بين إدراك العقل النظري للمصلحة أو المفسدة وبين حكم الشارع بالإيجاب أو التحريم.
فإذا أدرك العقل النظري وجود مصلحة أو مفسدة في شيء من الأفعال التي تنسب إلى المكلّف ، فهل يكشف ذلك عن وجود حكم شرعي بالوجوب أو الحرمة من قبل الشارع أم لا؟