وقبل الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من بيان أمرين :
الأوّل : أنّ الأحكام لا شكّ في كونها تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها ، وهذا ما يعبّر عنه بالملاك ، ولكن ليس وجود المصلحة أو المفسدة وحده دخيلا في الملاك ، بل هناك أمور أخرى يؤخذ وجودها شرطا أو عدمها ضروريّا لكي يكون الملاك مع توفّر كلّ الشروط المعتبرة وانتفاء كلّ الموانع مؤثّرا في وجود الحكم ، بمعنى أنّه يصبح داعيا إلى الإيجاب أو التحريم ؛ لأنّه ليس إذا تمّ الملاك في شيء ترتّب عليه الحكم قهرا ، لما تقدّم من أنّ جعل الحكم فعل اختياري للشارع. فيكون تماميّة الملاك داعيا إلى وجود الحكم فهو بحكم العلّة التامّة ؛ لأنّه موقوف على الجعل المولوي وليس العلّة التامّة وإلا لصار قهريّا.
وهذا نقوله طبقا لحكمة المولى ، بمعنى أنّ المولى بحكمته ولطفه وتقديره يفعل ذلك ، أي أنّه يجعل الإيجاب والتحريم عند وجود المصلحة والمفسدة وعند تحقّق سائر الشرائط وانتفاء سائر الموانع.
الثاني : أنّ العقل النظري تارة يدرك وجود المصلحة أو المفسدة في الفعل أو الشيء المتعلّق لفعل المكلّف ، وأخرى لا يدرك ذلك.
فإن لم يدرك شيئا من المصلحة أو المفسدة فهذا خارج من محلّ الكلام جزما.
وإن أدرك المصلحة أو المفسدة مع كلّ الشروط المعتبرة الأخرى ولاحظ انتفاء الموانع تماما ، فهنا لا إشكال في كونه كاشفا عن الحكم الشرعي ، فيحكم بالملازمة بين إدراك العقل وبين حكم الشارع. وهذا استدلال من العلّة على المعلول ؛ لأنّ الحكم معلول للمصلحة مع ما يرتبط بها من تحقّق الشرائط وانتفاء الموانع ، فإنّ الشارع يجعل الحكم وفقا لحكمته وهو ما يسمّى بالدليل اللمّي ، أي بالاستدلال على وجود المعلول من خلال وجود العلّة.
وهذا الأمر ممكن وليس مستحيلا أو ممتنعا في نفسه ، ولكنّه نادر الوقوع ولذلك قال السيّد الشهيد :
ولكنّ هذا الافتراض صعب التحقّق من الناحية الواقعيّة في كثير من الأحيان ؛ لضيق دائرة العقل وشعور الإنسان بأنّه محدود الاطّلاع ، الأمر الذي يجعله يحتمل غالبا أن يكون قد فاته الاطّلاع على بعض نكات الموقف ، فقد يدرك