المصلحة في فعل ولكنّه لا يجزم عادة بدرجتها وبمدى أهمّيتها وبعدم وجود أيّ مزاحم لها ، وما لم يجزم بكلّ ذلك لا يتمّ الاستكشاف.
والصحيح : هو عدم الملازمة بين حكم العقل النظري وحكم الشارع.
والوجه في ذلك هو : أنّ استكشاف الملازمة بين حكم العقل وحكم الشارع يتوقّف على إدراك العقل لما هو بمثابة العلّة للحكم ، أي لوجود المصلحة وكونها مهمّة جدّا ، وإدراكه لكلّ الشروط المعتبرة فيها ، ولإدراك انتفاء سائر الموانع التي تمنع من التأثير.
وإدراك كلّ هذه الأمور ممّا لا يتيسّر للعقل في كثير من الأحيان ؛ لأنّ العقل محدود في اطّلاعاته ومقيّد بما يصل إليه من معلومات عن طريق الحواسّ والتجارب ونحوهما.
وهذا الأمر يجعله غالبا غير محيط بكلّ ما هو شرط وما هو مانع لو سلّم إدراكه للمصلحة أو المفسدة في الفعل ، وإلا فإنّه قد يخطئ أيضا في تشخيص المصلحة أو المفسدة أيضا.
وهذا معناه أنّنا نعلم إجمالا بأنّ كثيرا من المصالح والمفاسد وما هو دخيل فيهما كشرط أو عدم مانع ممّا لا يقدر أن يدركها العقل بتمامها وبصورة كاملة ، وهذا يجعلنا نحتمل الخطأ في مدركاتنا للمصالح والمفاسد ، الأمر الذي يجعلنا في الأغلب بعيدين عن القطع والجزم ، وما دام كذلك فلا تتحقّق الملازمة ؛ لعدم تحقّق طرفها الأوّل وهو إدراك العقل فإنّه أحد طرفي الملازمة ؛ لأنّه من خلال القطع والجزم بما أدركه العقل نريد أن نحكم بأنّ الشارع له حكم مطابق ، وإذا لم نجزم ونقطع بل كنّا نحتمل أو نظنّ بتحقّق الإدراك العقلي فلن يتيسّر لنا الحكم بالملازمة ، وبالتالي لن نستكشف حكم الشارع.
ومن هنا أنكر صاحب ( الفصول ) الملازمة مدّعيا أنّ العقل قد يدرك المصلحة والمفسدة ، ولكنّ الموانع والشروط المعتبرة قد لا يصل إليها الإدراك العقلي ؛ لعدم إحاطته بالواقعيّات على ما هي عليه.
* * *