الملازمة بين الحكم العملي وحكم الشارع
عرفنا أنّ مرجع الحكم العملي إلى الحسن والقبح ، وأنّهما أمران واقعيّان يدركهما العقل ، وقبل الدخول في الحديث عن الملازمة ينبغي أن نقول كلمة عن واقعيّة هذين الأمرين ، فإنّ جملة من الباحثين فسّر الحسن والقبح بوصفهما حكمين عقلائيّين أي مجعولين من قبل العقلاء تبعا لما يدركون من مصالح ومفاسد للنوع البشري ، فما يرونه مصلحة كذلك يجعلونه حسنا ، وما يرونه مفسدة كذلك يجعلونه قبيحا. ويميّزهما عن غيرهما من التشريعات العقلائيّة اتّفاق العقلاء عليهما وتطابقهم على تشريعهما ؛ لوضوح المصالح والمفاسد التي تدعو إلى جعلهما.
المقام الثاني : في تحقيق حال الملازمة بين حكم العقل العملي وحكم الشارع.
قبل الدخول في تحقيق حال الملازمة يذكر الشهيد أنّ الحسن والقبح من الأمور الواقعيّة وليسا من الأمور الجعليّة الاعتباريّة ، فهنا أمران :
الأوّل : في واقعيّة الحسن والقبح ، ذكرنا سابقا أنّ العقل يدرك الحسن والقبح بما يستتبعان من موقف وسلوك عملي معيّن على طبقهما ؛ نظير إدراكه للقضايا العقليّة الواقعيّة الأخرى ، غاية الأمر أنّ إدراكه لمثل اجتماع النقيضين واستحالته واستحالة الدور ونحوهما لا يستتبع سلوكا وموقفا عمليّا ، ولذلك كان النحو الأوّل من مدركات العقل العملي بينما الثاني من مدركات العقل النظري.
فالعقل يدرك حسن العدل وقبح الظلم ، وهذا معناه أنّ الظلم بواقعه وبما يستتبعه من موقف وسلوك قبيح بنظر العقل ، بخلاف العدل فإنّه بواقعه وبما يقتضيه من سلوك عملي حسن.
وهكذا حسن الطاعة وقبح المعصية فإنّ الطاعة والمعصية بما يستتبعان من موقف