وسلوك عملي يتّصفان بالحسن والقبح ، فهما من الأمور الواقعيّة التي لها ثبوت في عالم الواقع واللوح ونفس الأمر.
وهكذا الحال بالنسبة للكذب والصدق فإنّهما بذاتهما وبقطع النظر عن الموانع وحالات التزاحم يتّصفان بالحسن والقبح.
والوجدان خير دليل وشاهد على ذلك فإنّ العقل السليم يدرك حسن أو قبح هذه الأشياء ونظائرها. وإذا كان هناك تشكيك فهو في تحقّق الصغرى والمصداق ، بمعنى أنّ الفعل الفلاني هل هو صدق أم لا؟ وليس التشكيك في أنّ الصدق حسن وإنّما في تطبيقه على مصاديقه في الخارج ، وهذا ليس محلّ الكلام ؛ لأنّه خلاف في الصغريات ، وكلامنا نحن في أصل ثبوت الكبرى أي حكم العقل بحسن الصدق مثلا فهذا ممّا لا يختلف فيه عاقل.
بل إنكار واقعيّة الحسن والقبح يؤدّي إلى عدم الإيمان بالشريعة وبالنبوّة وعدم وجوب الطاعة ؛ لأنّه إذا لم يكونا واقعيّين فما هو الدليل على صدق نبوّة النبي الذي يأتي بالمعجزة؟ ولما ذا يصدّق لو لم يكن ذلك من الكاذب قبيحا ومن الصادق حسنا؟ وما هو الدليل على وجوب الإطاعة وحرمة المعصية ما لم يكن الأوّل حسنا بذاته والآخر قبيحا؟!
الثاني : ذهب البعض إلى أنّ الحسن والقبح من الأمور الاعتباريّة الجعليّة العقلائيّة ، فالعقلاء يحكمون بالحسن والقبح وليسا ذاتيّين للأشياء أو للأفعال بواقعها ؛ بل هما حكمان مجعولان من قبل العقلاء ؛ بمعنى أنّ العقلاء اتّفقوا فيما بينهم على حسن هذا وقبح ذاك تبعا لوجود المصلحة أو المفسدة بلحاظ النوع البشري ، فما يرونه فيه مصلحة يحكمون بكون فعله حسنا وما يرون فيه المفسدة فيحكمون بقبح فعله.
فمثلا يحكمون بقبح الضرب للصبي إذا كان للتشفّي ؛ لأنّ فيه مفسدة. بينما لو كان الضرب للتأديب فيحكمون بحسنه ؛ لأنّ فيه المصلحة ، وأمّا ذات الضرب فهو لا يتّصف بالحسن ولا بالقبح بواقعه ، وإنّما الحسن والقبح عنوانان أو وصفان يجعلهما العقلاء على الفعل الواجد للمصلحة أو الواجد للمفسدة.
والمصلحة والمفسدة التي يحكم العقلاء بالحسن والقبح في الأفعال هي مصلحة النوع البشري ، كحفظ النظام مثلا وبقاء النوع.