حكم الملازمة : بعد أن اتّضح أنّ الحسن والقبح أمران واقعيّان يحكم بهما العقل العملي بمعنى إدراكه لما ينبغي أن يقع ولما ينبغي ألاّ يقع ، نأتي إلى تحقيق حال الملازمة ، فهل إذا حكم العقل العملي بحسن شيء أو قبحه حكم الشارع بوجوبه أو حرمته أم لا؟ قولان :
الأوّل : ما ذهب إليه مشهور العلماء من ثبوت الملازمة بين حكم العقل العملي وحكم الشارع.
والثاني : ما ذهب إليه المحقّق العراقي والسيّد الخوئي من استحالة حكم الشارع على طبق ما حكم به العقل العملي. وممّن أنكر الملازمة صاحب ( الفصول ) أيضا. أمّا القول الأوّل : فقد قرّب بأنّ الشارع أحد العقلاء بل سيّد العقلاء ، فإذا حكم العقلاء بعقلهم بحسن شيء أو بقبحه ، فبما أنّ الشارع واحد منهم بل سيّدهم فهو داخل معهم في هذا الحكم ، غايته أنّ حكمهم بالحسن أو بالقبح بمعنى إدراكهم لذلك ، بينما حكمه بذلك يعني الإيجاب أو التحريم. وهذا التقريب ذكره المحقّق الأصفهاني (١).
وبتعبير آخر أدقّ : أنّ العقل إذا استقرأ استقراء تامّا فحكم بالحسن أو بالقبح أدّى ذلك إلى وجود حكم للشارع مطابق لما حكم به العقل ، وإن كان الاستقراء ناقصا فلا يستكشف منه حكم الشارع.
والتحقيق : أنّا تارة نتعامل مع الحسن والقبح بوصفهما أمرين واقعيّين يدركهما العقل ، وأخرى بوصفهما مجعولين عقلائيّين رعاية للمصالح العامّة.
فعلى الأوّل : لا معنى للتقريب المذكور ؛ لأنّ العقلاء بما هم عقلاء إنّما يدركون
__________________
(١) وذكر المحقّق النائيني أيضا بأنّ العقل إذا حكم بقبح الكذب المؤدّي إلى هلاك نبيّ مع عدم رجوع نفع في ذلك إلى الكاذب حكم العقل بحرمته قطعا ؛ لأنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد وقد حكم العقل بوجود المفسدة هنا فكيف لا يحكم الشارع بالحرمة؟!
وذكر الشيخ المظفّر أنّ العقل إذا حكم بحسن شيء أو قبحه وتطابقت آراء العقلاء على ذلك بما هم عقلاء فلا بدّ أن يحكم الشارع على طبق ذلك أيضا ؛ لأنّه منهم بل رئيسهم ؛ لأنّه لو لم يشاركهم في ذلك لما كان ذلك الحكم رأي الجميع وهو خلاف الفرض. فإذا خالفهم ولم يحكم على طبق ما أطبقوا عليه كشف ذلك عن وجود مانع بنظر الشارع لم يدركه العقل ولا العقلاء.