فإذا كان للشارع حكم أيضا لزم تحصيل الحاصل ؛ لأنّ الشارع يجعل الوجوب أو الحرمة ، وهذان يستفادان من نفس حكم العقل بالحسن أو القبح من دون حاجة إلى جعل الشارع ، فيكون جعله لغوا فيمتنع.
وهذا ما ذهب إليه المحقّق العراقي والسيّد الخوئي.
ويرد عليه : أنّ حكم العقل بقبح الظلم وحسن العدل أو بقبح الكذب وحسن الصدق أو حسن الأمانة وقبح الخيانة وإن كان يستلزم جريا عمليّا وسلوكا على طبقه ، غير أنّ حكم الشارع بالوجوب أو الحرمة في ذاك المورد لا يلزم منه اللغويّة ؛ وذلك لأنّ حكم الشارع يوجد ملاكا آخر للتحرّك والمسئوليّة والإدانة ، وهذا الملاك هو الطاعة والامتثال لحكم الشارع. وعليه ، فيكون حكم الشارع بوجوب الصدق فيه ملاكان للتحرّك.
أوّلا ؛ لأنّه حسن في نفسه والحسن يقتضي التحرّك والسلوك العملي وفقا لما يقتضيه الصدق.
وثانيا : لأنّه طاعة للمولى ؛ لأنّه قد صار متعلّقا لتكليفه وحكمه فيحكم العقل بحسن إطاعته وقبح مخالفته.
وبذلك يظهر أنّ حكم الشارع يوجب تأكّد المحرّكيّة والمسئوليّة.
ومن هنا ، فإذا كان الشارع مهتمّا بحفظ أحكام العقل العملي بدرجة أكبر ممّا يقتضيه حكم العقل العملي من محرّكيّة وسلوك ، فلن يجد مانعا من إصدار حكم على وفق ما حكم به العقل.
وبهذا يظهر أنّ دعوى استحالة الملازمة كدعوى ضرورة الملازمة كلاهما غير تامّ في نفسه ، وإنّما الصحيح أنّ الشارع قد يحكم وقد لا يحكم في موارد حكم العقل بقبح شيء أو بحسنه.
* * *