والوجه في ذلك : أنّ المكلّف الذي نسي الجزء حتّى انتهى الوقت لا يمكن تكليفه بهذا الجزء في أثناء الوقت ؛ إذ لا يمكن توجيه خطاب للناسي بالجزء الذي نسيه ؛ لأنّ هذا خلف كونه ناسيا ، ولذلك لا يكلّف بالأكثر جزما في أثناء الوقت بسبب النسيان المانع من ذلك ، وعليه فلا يكون المورد من موارد الدوران بين الأقلّ والأكثر ؛ لأنّ الأكثر لا يكلّف به الناسي إمّا لعجزه وإمّا لرفع التكليف بالنسيان استنادا إلى حديث الرفع.
وحينئذ يكون الدوران في هذه الحالة بين كون ما أتى به من صلاة فاقدة للجزء الذي نسيه صحيحة ومجزية عن المأمور به ، وبين لزوم القضاء بالإتيان بصلاة واجدة للجزء خارج الوقت ؛ لأنّ الفرض هنا استيعاب النسيان لتمام الوقت.
ومرجع هذا الشكّ في الحقيقة إلى الشكّ في تكليف زائد ، بمعنى أنّ هذا العلم الإجمالي منحلّ حقيقة إلى علم تفصيلي بالأقلّ ـ بناء على إمكان تكليفه بالأقلّ ـ وشكّ بدوي في الأكثر فتجري البراءة عن الأكثر ؛ لأنّ الأقلّ قد امتثله فعلا والأكثر مشكوك ، وهذا من العلم الإجمالي بعد امتثال أحد طرفيه والذي لا يكون علما إجماليّا في الحقيقة ، بل مشكوك في تكليف زائد ابتداء.
وأمّا بناء على عدم إمكان تكليف الناسي بالأقلّ كالأكثر فالأمر أوضح ؛ لأنّه حال نسيانه لم يكن مكلّفا بشيء وبعد ارتفاع النسيان خارج الوقت يشكّ في وجوب القضاء فتجري البراءة عنه.
وهذا الكلام يتمّ حتّى لو أنكرنا جريان البراءة في موارد الأقلّ والأكثر الارتباطيّين ؛ لأنّه هنا لا يوجد تكليف بالأكثر حقيقة ، والأقلّ متحقّق فعلا.
وأمّا في الحالة الثانية فالتكليف فعلي في الوقت ، غير أنّه متعلّق إمّا بالجامع الشامل للصلاة الناقصة الصادرة حال النسيان أو بالصلاة التامّة فقط.
والأوّل معناه اختصاص جزئيّة المنسي بغير حال النسيان ، والثاني معناه إطلاق الجزئيّة لحال النسيان ، والدوران بين وجوب الجامع ووجوب الصلاة التامّة تعيينا هو من أنحاء الدوران بين الأقلّ والأكثر ، ويمثّل الجامع فيه الأقلّ ، وتمثّل الصلاة التامّة الأكثر ، وتجري البراءة وفقا للدوران المذكور.
وأمّا الحالة الثانية : وهي فيما إذا ارتفع النسيان في أثناء الوقت بحيث كان فيه متّسع للأداء ، فالحكم هنا هو البراءة والاكتفاء بما أتى به.