أمّا الأوّل فقد يسلّم به رغم وجود احتمالات كثيرة في تفسير هذا البناء غير احتمال بقاء الحالة السابقة ، إلا أنّها لا تضرّ ما دام هذا البناء منعقدا بالفعل عندهم على أساس الظنّ الناشئ من ذلك ، لا على أساس الاطمئنان أو الاحتياط كما ادّعى البعض.
وأمّا الثاني فقد يناقش في إمضاء الشارع لهذه السيرة ، بمعنى أنّ الآيات الناهية عن العمل بالظنّ تردع عن العمل بالسيرة العقلائيّة المنعقدة على الاستصحاب ، ومعها لا تكون مثل هذه السيرة حجّة.
وأمّا حجّيّة الاستصحاب من باب الأخبار والروايات فهي العمدة في المقام ، ولذلك سوف نستعرض أهمّ الروايات التي استدلّ بها الأصحاب على هذه القاعدة فنقول :
رواية زرارة : قال : قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء ، أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال : « يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن ، فإذا نامت العين والأذن والقلب وجب الوضوء » ، قلت : فإن حرّك على جنبه شيء ولم يعلم به؟ قال : « لا ، حتّى يستيقن أنّه قد نام ، حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلا فإنّه على يقين من وضوئه ولا تنقض اليقين أبدا بالشكّ ، وإنّما تنقضه بيقين آخر » (١).
وتقريب الاستدلال : أنّه حكم ببقاء الوضوء مع الشكّ في انتقاضه تمسّكا بالاستصحاب.
الاستدلال بهذه الرواية على الاستصحاب واضح ؛ لأنّ الإمام عليهالسلام قد حكم فيها ببقاء الوضوء الذي كان على يقين منه على حاله عند الشكّ في ارتفاعه وانتقاضه ، مستندا في ذلك على الاستصحاب حيث عبّر عن ذلك بقوله : « ولا تنقض اليقين أبدا بالشكّ » ، الدالّ على أنّ الوضوء يحكم ببقائه وعدم انتقاضه بسبب كونه متيقّنا به في السابق ، ومجرّد الشكّ به لا يوجب ارتفاعه وانتقاضه.
إلا أنّه توجد بعض الإشكالات ، من قبيل احتمال كون المقصود منها قاعدة
__________________
(١) وسائل الشيعة ١ : ٢٤٥ ، أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ١.