ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري أثار شبهة هنا حاصلها أنّ الناسي لا يمكن تكليفه لا بالأقلّ ولا بالأكثر ، ولذلك لا يكون المورد من موارد الدوران بين الأقلّ والأكثر أو التعيين والتخيير ، بل يكون من موارد الشكّ في براءة الذمّة بعد العلم باشتغالها بتكليف ، والذي هو مجرى لأصالة الاحتياط والاشتغال ، وتوضيح ذلك أن يقال :
إنّ ما تقدّم من كلام حول ما إذا كان هناك إطلاق في دليل الجزئيّة ، وما إذا لم يكن إطلاق فيه ، وحول ما إذا كان مستوعبا للوقت أم لا ، إنّما يتمّ فيما إذا أمكن تكليف الناسي بالأقلّ وتوجيه خطاب له بذلك ، فإنّه والحال هذه سوف يكون الأقلّ معلوم الدخول في العهدة تفصيلا وقد أتى به ، ويشكّ في اشتغال ذمّته بتكليف زائد فتجري فيه البراءة ، وتأتي التفصيلات المذكورة سابقا.
إلا أنّ الصحيح عدم إمكان تكليف الناسي لا بالأكثر كما هو واضح ؛ لأنّ المفروض كونه ناسيا فيكون عاجزا عقلا أو لا تكليف عليه شرعا من الإتيان بالأكثر ، ومع العجز أو رفع التكليف لا يكون هناك تكليف ، ولا بالأقلّ أيضا ؛ وذلك لأنّ التكليف إنّما يكون لغرض الباعثيّة والمحرّكيّة ، فلو قيل بصدور خطاب بحقّ الناسي متعلّق بالأقلّ ، فهذا الخطاب إمّا أن يتوجّه إلى الناسي بعنوان كونه ناسيا ، وإمّا أن يتوجّه إلى طبيعي المكلّف الشامل للناسي والمتذكّر.
فإن كان موجّها للناسي بعنوانه فهذا يجعل الناسي متذكّرا ؛ لأنّ وصول الخطاب إلى الناسي بأنّه مكلّف بالأقلّ يجعله متذكّرا لما نسيه فيصبح متذكّرا لا ناسيا ، وإذا لم يصل الخطاب إليه فلا تكليف عليه بالأقلّ ، وإن كان موجّها للناسي بنحو العموم والشمول لطبيعي المكلّف الشامل للناسي والمتذكّر ، فهذا يعني أنّ المتذكّر سوف يشمله هذا الخطاب ، وبالتالي سوف يصحّ منه الاكتفاء بالأقلّ اعتمادا على هذا العموم ، وهذا واضح البطلان ؛ لأنّ المتذكّر للجزء لا يمكنه تركه عمدا ؛ لأنّ تركه كذلك مبطل.
والحاصل : أنّه لا يوجد معنى معقول لتكليف الناسي لا بالأقلّ ولا بالأكثر.
وحينئذ تكون النتيجة أنّه بعد الفراغ من الصلاة الناقصة ثمّ تذكره للجزء المنسي في الوقت سوف يشكّ في براءة ذمّته من الصلاة التي اشتغلت بها يقينا ، وهذا الشكّ مجرى لأصالة الاشتغال لا البراءة ؛ لأنّه يعلم باشتغال ذمّته بأصل الصلاة من دون