قوله عليهالسلام : « وليس لك علي أكثر من توحيدي إياه » أي يمكنني أن ابين لك من ذات الصانع وصفاته إلا مايرجع إلى توحيده تعالى وتنزيهه عن مشابهة من سواه ، أولا يلزمني البيان لك في هذا الوقت إلا توحيده ، لترجع عما أنت عليه من الشراك.
قوله عليهالسلام : « لايكون السكوت إعن نطق قبله » حاصله أن السكوت عدم ملكة ، فلايقال للسراج : إنه ساكت ، حيث لاينطق ، إذ ليس من شأنه النطق ، وكذلك الله سبحانه لايوصف بالنطق بالمعنى الذي فهمت وهو مزاولته بلسان وشفة أو بغير ذلك مما يوجب التغير في ذاته ، بل كلامه هو إيجاده للاصوات والحروف في الاجسام.
ثم لما كان هذا أيضا موهما لنوع تغير في ذاته تعالى بأن يتوهم أن إيجاده بمزاولة الجوارح والآلات والاعمال أزال ذلك التوهم بأن الالفاظ كثيرا ما تطلق في بعض الموارد مقارنا لبعض الاشياء. فيتوهم اشتراط تلك المقارنات في استعمالها وليس كذلك ، والخلق والايجاد كذلك ، فإنهما يطلقان في المخلوقين غالبا مقارنا لمزاولتهم الاعمال وتحريكهم الجوارح واستعانتهم بالآلات ، فيتوهم الجهال أنهما لايطلقان إلا بذلك ، فبين ذلك بالتشبيه بالسراج أيضا ، فإنه يقال : إنه يضئ ، وليس معنى إضاءته أنه يفعل فعلا يزاول فيه الاعمال والجوارح والآلات ، أو أنه يحدث له عند ذلك إرادة وخطور بال كما يكون في ضرب زيد وقتل عمرو ، بل ليس إلا استتباع ضوئه لاستضاءتنا ، فكذلك الصانع تعالى ليس إيجاده بما يوجب تغييرا في ذاته من حدوث أمر فيه ، أو مزاولة عمل أوروية أو تفكرأواستعمال جارحة أو آلة كما يكون في المخلوقين غالبا ، وليس الغرض التشبيه الكامل في ذلك حتى يلزم عدم كون إيجاده تعالى على وجه الارادة والاختيار ، بل فيما ذكرناه من الوجوه.
فقوله عليهالسلام
: « ولايقال : إن السراج ليضئ فيما يريد أن يفعل بنا » النفي فيه
راجع إلى القيد ، أي لايطلق إضاءة السراج على فعل يريده أن يفعل بنا لان الضوء
من السراج ليس بفعل منه ، ولا كون وإحداث ، وإنما هوالسراج حسب ، ليس معه
إرادة ولافعل ولا مزاولة عمل ، فلما استضأنا به وحصل الضوء فينامن قبله نسبنا إليه