ما كنت أظن أن أحدا يدعي الاجماع على كفر عمر بن الخطاب حتى الآن ، فقال الشيخ : فالآن قد علمت ذلك وتحققته ، ولعمري أن هذا مما لم يسبقني إلى استخراجه أحد ، فإن كان عندك شئ فأورده ، فلم يأت بشئ.(١)
٦ ـ ومن كلام الشيخ أدام الله علوه أيضا : حضر في دارالشريف أبي عبدالله محمد بن محمد بن طاهر رحمهالله وحضر رجل من المتفقهة يعرف بالورثاني وهو من فهمائهم ، فقال له الورثاني أليس من مذهبك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان معصوما من الخطاء ، مبرءا من الزلل ، مأمونا عليه السهور والغلط ، كاملا بنفسه ، غنيا عن رعيته؟ فقال له الشيخ : بلى كذلك كان رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : فما تصنع في قول الله عزوجل : « وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله » أليس قد أمره الله تعالى بالاستعانة بهم في الرأي ، و أفقره إليهم؟ فكيف يصح لك ما ادعيت مع ظاهر القرآن وما فعله النبي صلىاللهعليهوآله ؟ فقال الشيخ : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يشاور أصحابه لفقر منه إلى رأيهم ، ولا حاجة دعته إلى مشورتهم من حيث ظننت وتوهمت بل لامر آخر إنا نذكره لك بعدالايضاح عما خبرتك به ، وذلك أنا قد علمنا أن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان معصوما من الكبائر ، (٢) وإن خالفت أنت في عصمته من الصغائر ، وكان أكمل الخلق باتفاق أهل الملة وأحسنهم رأيا ، وأوفرهم عقلا ، وأحكمهم تدبيرا ، وكانت المواد بينه وبين الله تعالى متصلة ، و الملائكة تتواتر عليه بالتوقيف(٣) عن الله سبحانه والتهذيب ، والانباء له عن المصالح ، وإذا كان بهذه الصفات لم يصح أن يدعوه داع إلى اقتباس الرأي من رعيته ، لانه ليس أحد منهم إلا وهو دونه في سائر ما عددناه ، وإنما يستشير الحكيم غيره على طريق الاستفادة والاستعانة برأيه إذا تيقن أنه أحسن رأيا منه ، وأجود تدبيرا ، وأكمل عقلا ، أو ظن ذلك ، فأما إذا أحاط علما بأنه دونه فيما وصفناه لم يكن لاستعانته في تدبيره برأيه معنى ، لان الكامل لايفتقر إلى الناقص فيما يحتاج فيه إلى الكمال ، كما
__________________
(١) الفصول المختارة ١ : ٧ ـ ٩.
(٢) في المصدر : كان معصوما من الكبائر والصغائر.
(٣) في المصدر : والملائكة تتواتر عليه بالتوفيق عن الله.