وقال قوم منهم : إن السكينة وإن اختص بها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فليس يدل ذلك على نقص الرجل ، لان السكينة إنما يحتاج إليها الرئيس المتبوع دون التابع ، فيقال لهم : هذا رد على الله سبحانه ، لانه قد أنزلها على الاتباع المرؤوسين ببدر وحنين وغيرهما من المقامات ، فيجب على ما أصلتموه أن يكون الله سبحانه فعل بهم ما لم يكن بهم الحاجة إليه ، ولو فعل ذلك لكان عابثا ، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا.
قال الشيخ أدام الله عزه : وههنا شبهة يمكن إيرادها هي أقوى مما تقدم ، غير أن القوم لم يهتدوا إليها ، ولا أظن أنها خطرت ببال أحد منهم ، وهو أن يقول قائل : قد وجدنا الله سبحانه ذكر شيئين ثم عبر عن أحدهما بالكناية ، فكانت الكناية عنهما معادون أن يختص بأحدهما ، وهو مثل قوله سبحانه : « والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله » فأورد لفظة الكناية عن الفضة خاصة ، وإنما أرادهما جميعا معا ، وقد قال الشاعر :
نحن بما عندناوأنت بما |
|
عندك راض والامر مختلف |
وإنما أراد : نحن بما عندنا راضون ، وأنت راض بما عندك ، فذكر أحد الامرين فاستغنى عن الآخر ، كذلك يقول سبحانه : « فأنزل الله سكينته عليه » ويريدهما جميعا دون أحدهما.
والجواب عن هذا وبالله التوفيق : أن الاختصار بالكناية على أحد المذكورين دون عموم الجميع مجاز واستعارة واستعمله أهل اللسان(١) في مواضع مخصوصة ، وجاء به القرآن في أماكن محصورة ، وقد ثبت أن الاستعارة ليست بأصل يجري في الكلام ولا يصح عليها القياس ، وليس يجوز لنا أن نعدل عن ظواهر القرآن وحقيقة الكلام إلا بدليل يلجئ إلى ذلك ، ولا دليل في قوله تعالى : « فأنزل الله سكينته عليه » فنتعدى من أجله المكني عنه إلى غيره.
وشئ آخر : وهو أن العرب إنما تستعمل ذلك إذا كان المعنى فيه معروفا ، والا التباس عنه مرتفعا ، فتكتفي بلفظ الواحد عن الاثنين للاختصار ، ولامانها من وقوع
__________________
(١) في المصدر : واستعارة استعمله أهل اللسان.