إليك يأكل معي ، (١) يريد أحب الخلق إلى الله عزوجل في الاكل معه ، دون أن يكون أراد أحب الخلق إليه في نفسه لكثرة أعماله ، إذ قد يجوز أن يكون الله سبحانه يحب أن يأكل مع نبيه من غيره أفضل منه ، ويكون ذلك أحب إليه للمصلحة : فقال الشيخ أدام الله عزه : هذا الذي اعترضت به ساقط ، وذلك أن محبة الله تعالى ليست ميل الطباع ، وإنما هي الثواب ، كما أن بغضه وغضبه ليساباهتياج ، (٢) وإنما هما العقاب ولفظ أفعل في أحب وأبغض لايتوجه إلا إلى معناهما من الثواب والعقاب ، ولا معنى على هذا الاصل لقول من زعم أن أحب الخلق إلى الله عزوجل يأكل مع رسول الله صلىاللهعليهوآله توجه إلى محبة الاكل(٣) والمبالغة في ذلك بلفظ أفعل ، لانه يخرج اللفظ عما ذكرناه من الثواب إلى ميل الطباع ، وذلك محال في صفة الله سبحانه.
وشئ آخر : وهو أن ظاهر الخطاب يدل على ما ذكرناه دون ما عا رضت به أن لو كانت المحبة على غير معنى الثواب ، لانه صلىاللهعليهوآله قال : « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر » وقوله : بأحب خلقك إليك كلام تام ، وبعده : (٤) يأكل معي من هذا الطائر كلام مستأنف ولا يفتقر الاول إليه ، ولو كان أراد ما ذكرت لقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك في الاكل معي ، فلما كان اللفظ على خلاف هذا وكان على ما ذكرناه لم يجز العدول عن الظاهر إلى محتمل على المجاز.
وشئ آخر : وهو أنه لو تساوى المعنيان في ظاهر الكلام لكان الواجب عليك تحميلهما اللفظ معادون الاقتصار على أحدهما إلا بدليل ، لانه لا يتنافى الجمع بينهما فيكون أراد بقوله : « أحب خلقك إليك » في نفسه وللاكل معي ، وإذا كان الامر على ما بيناه سقط اعتراضك.
فقال رجل من الزيدية كان حاضرا للسائل : هذا الاعتراض ساقط على أصلك وأصلنا ، لانا نقول جميعا إن الله تعالى لايريد المباح ، والاكل مع النبي صلىاللهعليهوآله مباح وليس
__________________
(١) في المصدر : يأكل معى من هذا الطائر.
(٢) في المصدر : باهتياج الطباع.
(٣) كذا في النسخ.
(٤) في المصدر : وقوله بعده.