من حديد (١) ثم أذاب النحاس فجلعه كالطين لتلك الحجارة ، ثم بنى وقاس ما بين الصدفين فوجده ثلاثة أميال ، فحفر له أساسا حتى كاد يبلغ الماء وجعل عرضه ميلا ، و جعل حشوه زبر الحديد ، وأذاب النحاس فجعله خلال الحديد فجعل طبقة (٢) من نحاس واخرى من حديد حتى ساوى الردم بطول الصدفين ، فصار كأنه برد حبرة من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد ، فيأجوج ومأجوج ينتابونه (٣) في كل سنة مرة وذلك أنهم يسيحون في بلادهم حتى إذا وقعوا إلى الردم حبسهم ، فرجعوا يسيحون في بلادهم فلا يزالون كذلك حتى تقرب الساعة ويجئ أشراطها ، (٤) فإذا جاء أشراطها وهو قيام القائم عجل الله فرجه فتحه الله عزوجل لهم ، وذلك قوله عزوجل : « حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ».
فلما فرغ ذو القرنين من عمل السد انطلق على وجهه ، فبينا هو يسير وجنوده إذ مر على شخص يصلي فوقف عليه (٥) حتى انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين : كيف لم يرعك ما حضرك من الجنود؟ قال : كنت أناجي من هو أكثر جنودا منك ، وأعز سلطانا ، وأشد قوة ، ولو صرفت وجهي إليك لم أدرك حاجتي قبله ، فقال له ذو القرنين : هل لك أن تنطلق معي فأواسيك بنفسي وأستعين بك على بعض اموري؟ قال : نعم إن ضمنت لي أربع خصال : نعيما لا يزول ، وصحة لا سقم فيها ، وشبابا لا هرم معه ، وحياة لا موت معها ; فقال له ذو القرنين : وأي مخلوق يقدر على هذه الخصال ، قال : فإني مع من يقدر على هذه الخصال ويملكها وإياك.
ثم مر برجل عالم فقال لذي القرنين : أخبرني عن شيئين منذ خلقهما الله عزوجل قائمين ، وعن شيئين جاربين ، وشيئين مختلفين ، وشيئين متباغضين ; فقال : ذو القرنين : أما الشيئان القائمان فالسماء والارض ، وأما الشيئان الجاريان فالشمس والقمر ، وأما الشيئان المختلفان فالليل والنهار ، وأما الشيئان المتباغضان فالموت والحياة ; فقال : انطلق فإنك
__________________
(١) في نسخة : فجعلن حجارته من حديد.
(٢) في المصدر : فصنع طبقة اه. م
(٣) أى يأتونه مرة بعد اخرى. وفى نسخة : يتناوبونه.
(٤) أى علائمها.
(٥) في المصدر : فوقف عليه بجنوده. م