عالم ، فانطلق ذو القرنين يسير في البلاد حتى مر بشيخ يقلب جماجم الموتى ، فوقف عليه بجنوده فقال : أخبرني أيها الشيخ لاي شئ تقلب هذه الجماجم؟ قال : لاعرف الشريف من الوضيع فما عرفت وإني لاقلبها عشرين سنة. (١)
فانطلق ذو القرنين وتركه وقال : ما أراك عنيت بهذا أحدا غيري ، فبينا هو يسير إذ وقع إلى الامة العالمة الذين منهم قوم موسى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، فوجد امة مقسطة (٢) عادلة يقسمون بالسويه ، ويحكمون بالعدل ، ويتواسون ويتراحمون ، حالهم واحدة ، وكلمتهم واحدة ، وقلوبهم مؤتلفة ، وطريقتهم مستقيمة ، وسيرتهم جميلة ، وقبور موتاهم في أفنيتهم وعلى أبواب دورهم ، وليس لبيوتهم أبواب ، وليس عليهم امراء ، وليس بينهم قضاة وليس فيهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف ولا يتفاوتون ولا يتفاضلون ، ولا يختلفون ولا يتنازعون ، ولا يستبون ولا يقتتلون ، ولا تصيبهم الآفات ، فلما رأى ذلك من أمرهم ملا منهم عجبا ، فقال لهم : أيها القوم أخبروني خبركم ، فإني قددرت في الارض شرقها وغربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها ونورها وظلمتها فلم أرمثلكم ، فأخبروني ما بال قبور كم على أبواب أفنيتكم؟ قالوا : فعلنا ذلك عمدا لئلا ننسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا ، قال : فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب؟ قالوا : ليس فينا لص ولا خائن وليس فينا إلا أمين ، قال : فما بالكم ليس عليكم امراء؟ قالوا : إنا لا نتظالم ، قال : فما بالكم ليس عليكم حكام؟ قالوا : إنا لا نختصم ، قال : فما بالكم ليس فيكم ملوك؟ قالوا : لانا لانتكاثر ، قال : فما بالكم ليس فيكم أشراف؟ قالوا : لانا لا نتنافس ، قال : فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون؟ (٣) قالوا : من قبل أنا متواسون متراحمون ، قال : فما بالكم لا تنازعون ولا تختصمون؟ قالوا : من قبل الفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا قال : فما بالكم لا تستبون ولا تقتتلون؟ قالوا من قبل أنا غلبنا طبائعنا بالعزم ، وسننا أنفسنا بالحلم ، قال : فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا : من قبل أنا لا نتكاذب ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضا ، قال : فأخبروني لم ليس فيكم؟ قير ولا مسكين قالوا : من قبل أنا نقسم بالسوية ، قال : فما بالكم ليس
__________________
(١) في المصدر : منذ عشرين سنة. م
(٢) أى عادلة.
(٣) في المصدر : ولا تتناوبون. م