« آتيكم » على لفظ خطاب الجمع لانه أقامها مقام الجماعة في الانس بها في الامكنة الموحشة « لعلكم تصطلون » أي لكي تستدفئوا بها ، وذلك لانهم كانوا قد أصابهم البرد وكانوا شاتين « فلما جاءهم » أي جاء موسى إلى النار يعني التي ظنها نارا وهي نور « أن بورك من في النار ومن حولها » قال وهب : لما رأى موسى النار وقف قريبا منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة ، لا تزداد النار إلا اشتغالا ، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسنا ، فلم تكن النار بحرارتها تحرق الشجرة ، ولا الشجرة برطوبتها تطفئ النار ، فعجب منها وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها ، فمالت إليه فخافها ، فتأخر عنها ، لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن نودي ، والمراد به نداء الوحي « أن بورك من في النار ومن حولها » أي بورك فيمن في النار وهم الملائكة ، وفيمن حولها يعني موسى عليهالسلام ، وذلك أن النور الذي رأى موسى كان فيه ملائكة لهم زجل(١) بالتقديس والتسبيح ، ومن حولها هو موسى ، لانه كان بالقرب منها ولم يكن فيها ، فكأنه قال : بارك الله على من في النار وعليك يا موسى ، ومخرجه الدعاء والمراد الخبر ، وقيل : من في النار سلطانه وقدرته وبرهانه فالبركة ترجع إلى اسم الله تعالى ، وتأويله : تبارك من نور هذا النور ومن حولها ، يعني موسى والملائكة ، وقيل : أي بورك من في طلب النار وهو موسى عليهالسلام ومن حولها الملائكة « وسبحان الله رب العالمين » أي تنزيها له عما لا يليق بصفاته من أن يكون جسما يحتاج إلى جهة ، أو عرضا يحتاج إلى محل ، أو يكون ممن يتكلم بآلة « إن الله » أي إن الذي يكلمك هو الله « العزيز » أي القادر الذي لا يغالب « الحكيم » في أفعاله ، المحكم لتدابيره.
« كأنها جان » الجان الحية التي ليست بعظيمة ، وإنما شبهها بالجان في خفة حركتها واهتزارها مع أنها ثعبان عظيم ، وقيل : الحالتان مختلفتان فصارت جانا في أول ما بعثه ، وثعبانا حين لقي بها فرعون « إلا من ظلم » الاستثناء منقطع « في تسع آيات » أي مع تسع آيات اخر أنت مرسل بها « إلى فرعون وقومه » وقيل : أي من تسع
_________________
(١) الزجل : نوع من الشعر. سحاب ذو زجل : ذو رعد. وزجل : طرب وتغنى. والمراد هنا أن لهم صوتا وتغنيا بالتسبيح.