يتبعوا السحرة « وقالوا بعزة فرعون » أقسموا بعزته على أن الغلبة لهم لفرط اعتقادهم في أنفسهم وإتيانهم بأقصى ما يكون أن يؤتى به من السحر « ما يأفكون » ما يقلبونه عن وجهه بتمويههم وتزويرهم فيخيلون حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى ، أو إفكهم تسمية للمأفوك به مبالغة « إنكم متبعون » يتبعكم فرعون وجنوده ، وهو علة الامر بالاسراء أي أسر بهم حتى إذا اتبعكم مصبحين كان لكم تقدم عليهم بحيث لا يدركونكم قبل وصولكم إلى البحر « فأرسل فرعون » حين اخبر بسراهم « في المدائن حاشرين » العساكر ليتبعونهم « إن هؤلاء لشرذمة قليلون » على إرادة القول ، وإنما استقلهم وكانوا ستمائة وسبعين ألفا بالاضافة إلى جنوده ، إذ روي أنه خرج فكانت مقدمته سبعمائة ألف ، والشرذمة : الطائفة القليلة ، وقليلون باعتبار أنهم أسباط ، كل سبط منهم قليل « لغائظون » لفاعلون ما يغيظنا « وإنا لجميع حاذرون » وإنا لجمع من عادتنا الحذر ، وقيل : الحاذر : المؤدي للسلاح « ومقام كريم » يعني المنازل الحسنة والمجالس السنية « كذلك » مثل ذلك الاخراج أخرجنا ، فهو مصدر ، أو مثل ذلك المقام الذي كان لهم ، على أنه صفة مقام ، أو الامر كذلك فيكون خبر المحذوف « فلما تراء الجمعان » أي تقاربا بحيث يرى كل منهما الآخر « إنا لمدركون » لملحقون « قال كلا » لن يدركوكم فإن الله وعدكم الخلاص منهم « إن معي ربي » بالحفظ والنصرة « سيهدين » طريق النجاة منهم « بعصاك البحر » القلزم أو النيل « فانفلق » أي فضرب فانفلق وصار اثني عشر فرقا بينها مسالك « كالطود العظيم » كالجبل المنيف الثابت في مقره « وأزلفنا » وقربنا « ثم الآخرين » فرعون وقومه حتى دخلوا على أثرهم مداخلهم.(١)
« إذ قال موسى » قال الطبرسي : أي اذكر قصة موسى « إذ قال لاهله » وهي بنت شعيب : « إني آنست(٢) » أي أبصرت نارا « بشهاب قبس » أي بشعلة نار ، والشهاب : نور كالعمود من النار ، وكل نور يمتد مثل العمود يسمى شهابا ، وإنما قال لامرأته :
_________________
(١) انوار التنزيل ٢ : ٦٨ ـ ٦٩. م
(٢) قال السيد الرضى رضوان الله عليه : هذه استعارة على القلب ، والمراد بها إنى رأيت نارا فآنستنى ، فنقل فعل الايناس إلى نفسه على معنى أنى وجدت النار مونسة لى.