قال : لانه آمن عند رؤية البأس والايمان عند رؤية البأس غير مقبول ، (١) وذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف ، قال الله عزوجل : « فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا » وقال عزوجل : « يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانهم لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا » وهكذا فرعون لما أدركه الغرق قال : « آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين » فقيل له : « آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين * فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية » وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد قد لبسه على بدنه ، فلما غرق ألقاه الله تعالى على نجوة من الارض ببدنه ليكون لمن بعده علامة ، فيرونه مع تثقله بالحديد على مرتفع من الارض ، وسبيل الثقيل أن يرسب ولا يرتفع فكان ذلك آية وعلامة ، ولعلة اخرى أغرقه الله عزوجل وهي أنه استغاث بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بالله ، فأوحى الله عزوجل إليه : يا موسى لم تغث فرعون لانك لم تخلقه ولو استغاث بي لاغثته.(٢)
تحقيق : قال الرازي : فإن قيل : ما السبب في عدم قبول توبته؟ والجواب أن العلماء ذكروا وجوها :
الاول : أنه إنما آمن عند نزول العذاب والايمان في هذا الوقت غير مقبول لانه تصير الحال حينئذ وقت الالجاء ، وفي هذه الحال لا تكون التوبة مقبولة.
الثاني : أنه لم يكن مخلصا في هذه الكلمة بل إنما تكلم بها توسلا إلى دفع تلك البلية الحاضرة.
الثالث : أن ذلك الاقرار كان مبنيا على محض التقليد ، ألا ترى أنه قال : لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل.
الرابع : أن أكثر اليهود كانت قلوبهم مائلة إلى التشبيه والتجسيم ، ولذا اشتغلوا بعبادة العجل لظنهم أنه تعالى حل في جسده ، فكأنه آمن بالاله الموصوف بالجسمية وكل من اعتقد ذلك كان كافرا.
_________________
(١) لانه خارج عن الطوع والاختيار ، ألجاته إلى ذلك رؤية البأس ونزول العذاب.
(٢) علل الشرائع : ٣١ ، عيون الاخبار : ٢٣٢ ـ ٢٣٣. م