الحق ، ولا طريق إلى إنكاره ، والله ولي التوفيق . انتهى .
ويدل كلام المفيد قدسسره أن الغلاة في عصره كانوا استغلوا أحاديث الأشباح والظلال وبنوا عليها أباطيل تخالف مذهب أهل البيت عليهمالسلام فشنع بسببها الخصوم على المذهب ، فنفى المفيد دعوى الخصوم وفي نفس الوقت أثبت أحاديث الأشباح والظلال ، ثم فسرها بتفسير يفهمه العوام ولا يثير ثائرة الخصوم .
وقال في هامش الكافي ج ٢ ص ٣ :
الأخبار مستفيضة في أن الله تعالى خلق السعداء من طينة عليين ( من الجنة ) وخلق الأشقياء من طينة سجين ( من النار ) وكل يرجع إلى حكم طينته من السعادة والشقاء ، وقد أورد عليها : أولاً ، بمخالفة الكتاب . وثانياً ، باستلزام الجبر الباطل .
أما البحث الأول ، فقد قال الله تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ، وقال : وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ، فأفاد أن الإنسان مخلوق من طين ، ثم قال تعالى : وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا . . الآية . وقال : مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا . . الآية . فأفاد أن للإنسان غاية ونهاية من السعادة والشقاء ، وهو متوجه إليها سائر نحوها . وقال تعالى : كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ، فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ . . الآية . فأفاد أن ما ينتهي إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاء هو ما كان عليه في بدء خلقه وقد كان في بدء خلقه طيناً ، فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء ، وآخر السعيد إلى الجنة وآخر الشقي إلى النار ، فهما أولهما لكون الآخر هو الأول ، وحينئذ صح أن السعداء خلقوا من طينة الجنة والأشقياء خلقوا من طينة النار . وقال تعالى : كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ، كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ . . الآيات . وهي تشعر بأن عليين وسجين هما ما ينتهي اليه أمر الأبرار والفجار من النعمة والعذاب ، فافهم .
وأما البحث الثاني ،
وهو أن أخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة والشقاء لازمين