سليمان (ع) نظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق ، وقال : ما وراءكم؟ فأخبره رئيس القوم بما جاؤوا به ، وأعطاه كتاب الملكة ، فنظر فيه وقال : أين الحقة؟ فأتي بها فحركها ، وجاءه جبرئيل فأخبره بما في الحقة ، وقال : إن فيها درة يتيمة غير مثقوبة ، وخرزة مثقوبة معوجة الثقب ، فقال الرسول : صدقت ، فاثقب الدرة وأدخل الخيط في الخرزة ، فأرسل سليمان عليهالسلام إلى الارضة فجاءت فأخذت شعرة في فيها فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر ، ثم قال : من لهذه الخرزة يسلكها الخيط؟ فقالت دودة بيضاء : أنا لها يا رسول الله ، فأخذت الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر ، ثم ميز بين الجواري والغلمان بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم ، فكانت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الاخرى ثم تضرب به الوجه ، والغلام يأخذ من الآنية يضرب به وجهه ، وكانت الجارية تصب على باطن ساعدها والغلام على ظهر الساعد ، وكانت الجارية تصب الماء صبا وكان الغلام يحدر الماء (١) على يده حدرا ، فميز بينهم بذلك ، هذا كله مروي عن وهب (٢) وغيره. وقيل : إنها أيضا أنفذت مع هداياها عصا كانت تتوارثها ملوك حمير ، وقالت : أريد أن تعرفني رأسها من أسفلها ، و بقدح ماء وقالت : تملاه ماء رواء (٣) ليس من الارض ولا من السماء ، فأرسل سليمان العصا إلى الهواء وقال : أي الرأسين سبق إلى الارض فهو أصلها ، (٤) وأمر بالخيل فأجريت حتى عرقت وملا القدح من عرقها ، وقال : هذا ليس من ماء الارض ولا من ماء السماء.
« فلما جاء سليمان » أي فلما جاء الرسول سليمان « قال أتمدونني بمال » أي أتزيدونني مالا؟ وهذا استفهام إنكار ، يعني أنه لايحتاج إلى مالهم « فما آتاني الله خير مما آتاكم » أي ما أعطاني الله من الملك والنبوة والحكمة خير مما أعطاكم من الدنيا و أموالها « بل أنتم بهديتكم تفرحون » إذا أهدى بعضكم إلى بعض ، وأما أنا فلا أفرح بها ،
__________________
(١) حدر الشئ : أنزله من علو إلى أسفل.
(٢) واحاديث وهب غير خالية من اساطير وأوهام.
(٣) الرواء : الماء العذب.
(٤) في المصدر : فهو أسفلها.