قراهم ، وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة (١) من حرير فيها من أنواع الصور ، ثم يأتون بشاء (٢) وبقر فيذبحونها قربانا للشجرة ، ويشعلون فيها النيران بالحطب ، فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها (٣) في الهواء وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خروا للشجرة سجدا يبكون ويتضرعون إليها أن ترضى عنهم ، فكان الشيطان يجئ فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي : أني قد رضيت عنكم عبادي! فطيبوا نفسا ، وقروا عينا ، فيرفعون رؤوسهم عند ذلك ، ويشربون الخمر ، ويضربون بالمعازف ، (٤) ويأخذون الدستبند ، فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون ، وإنما سمت العجم شهورها بأبان ماه وآذر ماه وغيرهما اشتقاقا من أسماء تلك القرى لقول أهلها بعضهم لبعض هذا عيد شهر كذا ، وعيد شهر كذا ، حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى (٥) اجتمع إليها صغيرهم وكبيرهم ، فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقا من ديباج عليه من أنواع الصور ، وجعلوا له اثني عشر بابا كل باب لاهل قرية منهم ، ويسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق ، ويقربون لها الذبائح أضعاف ماقربوا للشجرة التي في قراهم فيجئ إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا ، ويتكلم من جوفها كلاما جهوريا ، و يعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين كلها ، فيرفعون رؤوسهم من السجود ، وبهم من الفرح والنشاط ما لايفيقون ولا يتكلمون من الشرب والعزف ، (٦) فيكونون على ذلك اثني عشر يوما ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ، ثم ينصرفون ، فلما طال
__________________
(١) الكلة بالكسر : الستر الرقيق. غشاء رقيق يخاط كالبيت يتوقى به من البعوض ويعرف ( بالناموسية ) ويقال بالفارسية ( بشه بند ) وفي العرائس : يضربون على تلك الشجرة مظلة من حرير فيها اصناف الصور.
(٢) جمع الشاة.
(٣) القتار بضم : الدخان من المطبوخ.
(٤) المعازف : آلات الطرب كالطنبور والعود.
(٥) في العيون : عيد شهر قريتهم العظمى.
(٦) في العرائس : ولا يتكلمون معه فيديمون الشرب والمعازف ويكونون.