كفرهم بالله عزوجل وعبادتهم غيره بعث الله عزوجل إليهم نبيا من بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب ، فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عزوجل ومعرفة ربوبيته (١) فلا يتبعونه ، فلما رأى شدة تماديهم في الغي والضلال وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح وحضر عيد قريتهم العظمى قال : يارب إن عبادك أبوا إلا تكذيبي والكفر بك ، (٢) وغدوا يعبدون شجرة لاتنفع ولاتضر ، فأيبس شجرهم أجمع ، وأرهم قدرتك وسلطانك ، فأصبح القوم وقد يبس شجرهم كلها فهالهم ذلك وقطع بهم ، وصاروا فرقتين : فرقة قالت : سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب السماء والارض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه ، وفرقة قالت : لا بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم إلى عبادة غيرها فحجبت حسنها وبهاءها لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه ، فأجمع رأيهم على قتله ، فاتخذوا أنابيب (٣) طوالا من رصاص واسعة الافواه ، ثم أرسلوها في قرار العين (٤) إلى أعلى الماء ، واحدة فوق الاخرى مثل البرابخ ونزحوا ما فيها من الماء ، ثم حفروا في قرارها بئرا ضيقة المدخل عميقة ، وأرسلوا فيها نبيهم ، (٥) وألقموا فاها صخرة عظيمة ، ثم أخرجوا الانابيب من الماء وقالوا : نرجو الآن أن ترضى عنا آلهتنا إذا رأت أنا قد قتلنا من كان يقع فيها ، ويصدنا عن عبادتها ، ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه ، فيعود لنا نورها ونضرتها كما كان ، فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم ، وهو يقول : « سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي فارحم ضعف ركني وقلة حيلتي ، وعجل بقبض روحي ولا تؤخر إجابة دعوتي » حتى مات ، فقال الله جل جلاله لجبرئيل : ياجبرئيل أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم
__________________
(١) في العرائس : ويعرفهم ربوبيته ، فلا يتبعونه ولا يسمعون مقالته ، فلما رأى شدة ما هم فيه من الغي والضلالة.
(٢) في العرائس : يارب ان عبادك أبوا تصديقي ودعوتي اليهم ، وما ارادوا الا تكذيبي و الكفر بك ، ثم غدوا.
(٣) انابيب جمع الانبوب : مابين العقدتين من القصب أو الرمح. ويستعار لكل اجوف مستدير كالقصب ومنه انبوب الماء لقناته. والقناة : مايحفر في الارض ليجري فيه الماء.
(٤) في نسخة من العيون : في قرار الارض.
(٥) في العرائس : فرسوا فيها نبيهم.