تذنيب : قال الطبرسي رحمه الله : اختلف في استغفار داود عليهالسلام من أي شئ كان؟ فقيل : إنه حصل منه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى ، والخضوع له ، والتذلل بالعبادة والسجود ، كما حكى سبحانه عن إبراهيم عليهالسلام بقوله : « والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين » (١) وأما قوله : « فغفرنا له ذلك » فالمعنى أنا قبلناه منه وأثبناه عليه ، فأخرجه على لفظ الجزاء مثل قوله : « يخادعون الله وهو خادعهم » (٢) وقوله : « الله يستهزئ بهم » (٣) فلما كان المقصود من الاستغفار والتوبة القبول قيل في جوابه : « غفرنا » وهذا قول من ينزه الانبياء عن جميع الذنوب من الامامية وغيرهم ، (٤) ومن جوز على الانبياء الصغائر قال : إن استغفاره عليهالسلام كان لصغيرة.
ثم إنهم اختلفوا في ذلك على وجوه : أحدها أن اوريا بن حنان خطب امرأة فكان أهلها أرادوا أن يزوجوها منه ، فبلغ داود جمالها فخطبها أيضا فزوجوها منه وقدموه على اوريا ، فعوتب داود عليهالسلام على الحرص على الدنيا ، عن الجبائي.
وثانيها : أنه أخرج اوريا إلى بعض ثغوره فقتل فلم يجزع عليه جزعه على أمثاله من جنده (٥) إذ مالت نفسه إلى نكاح امرأته ، فعوتب على ذلك بنزول الملكين. (٦)
وثالثها : أنه كان في شريعته أن الرجل إذا مات وخلف امرأة فأولياؤه أحق بها إلا أن يرغبوا عن التزويج بها ، فحينئذ يجوز لغيرهم أن يتزوج بها ، فلما قتل اوريا خطب داود امرأته ومنعت هيبة داود وجلالته أولياءه أن يخطبوها فعوتب على ذلك.
ورابعها : أن داود كان متشاغلا بالعبادة فأتاه رجل وامرأة محاكمين (٧) إليه فنظر إلى المرأة ليعرفها بعينها وذلك نظر مباح ، فمالت نفسه (٨) ميل الطباع ، ففصل بينهما
__________________
(١) الشعراء : ٨٢.
(٢) النساء : ١٤٢.
(٣) البقرة : ١٥.
(٤) وهو الذي اختاره الشريف المرتضى في تنزيه الانبياء وغيره في غيره.
(٥) أو قل جزعه على ذلك على ماقيل.
(٦) ذكره وما قبله الثعلبي أيضا في العرائس.
(٧) في المصدر : متحاكمين.
(٨) في المصدر : فمالت نفسه إليها.