وقال : ياعبيد السوء تلومون الناس على الظن ولا تلومون أنفسكم على اليقين؟ (١) ياعبيد الدنيا تحلقون رؤوسكم وتقصرون قمصكم وتنكسون رؤوسكم ولا تنزعون الغل (٢) من قلوبكم؟! ياعبيد الدنيا مثلكم كمثل القبور المشيدة يعجب الناظر ظهرها ، وداخلها عظام الموتى ، مملوءة خطايا. ياعبيد الدنيا إنما مثلكم كمثل السراج يضئ للناس ويحرق نفسه! يابني إسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثوا على الركب ، (٣) فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الارض الميتة بوابل المطر. يا بني إسرائيل قلة المنطق حكم عظيم ، فعليكم بالصمت فإنه دعة (٤) حسنة وقلة وزر ، وخفة من الذنوب فحصنوا باب العلم فإن بابه الصبر ، وإن الله يبغض الضحاك من غير عجب ، والمشاء إلى غير أرب ، (٥) ويحب الوالي الذي يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته ، فاستحيوا الله في سرائركم كما تستحيون الناس في علانيتكم ، واعلموا أن كلمة الحكمة ضالة المؤمن ، فعليكم قبل أن يرفع ، ورفعه أن يذهب رواته ، (٦) ياصاحب العلم عظم العلماء لعلمهم ودع منازعتهم ، وصغر الجهال لجهلهم ولا تطردهم ، ولكن قربهم وعلمهم.
ياصاحب العلم اعلم أن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ عليها ، يا صاحب العلم اعلم أن كل معصية عجزت عن توبتها بمنزلة عقوبة تعاقب بها ، ياصاحب العلم كرب لاتدري متى تغشاك فاستعد لها قبل أن تفجأك.
وقال لاصحابه : أرأيتم لو أن أحدا مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن عورته
__________________
(١) هنا في المصدر زيادة وهي : ياعبيد الدنيا تحبون أن يقال فيكم ماليس فيكم ، وأن يشار اليكم بالاصابع.
(٢) الغل : الحقد والغش.
(٣) جثا جثوا : جلس على ركبتيه. وفي نسخة من المصدر : ولو حبوا. من حبا الولد : زحف على يديه وبطنه.
(٤) الدعة : السكينة. الراحة وخفض العيش.
(٥) الارب : الحاجة. وفي المصدر » أدب ». ولعله مصحف.
(٦) في المصدر : فعليكم قبل أن ترفع ، ورفعها أن تذهب رواته.