أموالهم وتتوق (١) إليها أنفسهم ، فضعوا كنوزكم في السماء حيث لايأكلها السوس ، ولا ينالها اللصوص.
بحق أقول لكم : إن العبد لايقدر على أن يخدم ربين ، ولامحالة إنه يؤثر أحدهما على الآخر وإن جهد ، كذلك لايجتمع لكم حب الله وحب الدنيا.
بحق أقول لكم : إن شر الناس لرجل عالم آثر دنياه على علمه فأحبها وطلبها وجهد عليها حتى لو استطاع أن يجعل الناس في حيرة لفعل ، وماذا يغني عن الاعمى سعة نور الشمس وهو لايبصرها؟ كذلك لايغني عن العالم علمه إذا هو لم يعمل به ، ما أكثر ثمار الشجر وليس كلها ينفع ولا يؤكل (٢) وما أكثر العلماء وليس كلهم ينتفع بما علم! وما أوسع الارض وليس كلها تسكن! وما أكثر المتكلمين وليس كل كلامهم يصدق! فاحتفظوا من العلماء الكذبة الذين عليهم ثياب الصوف ، منكسو رؤوسهم إلى الارض ، يزورون (٣) به الخطايا ، يطرفون من تحت حواجبهم (٤) كما ترمق الذئاب ، وقولهم يخالف فعلهم ، وهل يجتنى من العوسج العنب؟ ومن الحنظل التين؟ وكذلك لا يؤثر قول العالم الكاذب إلا زورا ، وليس كل من يقول يصدق. بحق أقول لكم : إن الزرع ينبت في السهل ولاينبت في الصفا ، وكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولاتعمر في قلب المتكبر الجبار ، ألم تعلموا أنه من شمخ برأسه (٥) إلى السقف شجه ، ومن خفض برأسه عنه استظل تحته وأكنه ، وكذلك من لم يتواضع لله خفضه ، ومن تواضع لله رفعه ، إنه ليس على كل حال يصلح العسل في الزقاق ، وكذلك القلوب ليس على كل حال تعمر الحكمة فيها ، إن الزق مالم ينخرق أو يقحل أو يتفل فسوف يكون للعسل وعاء ، و كذلك القلوب مالم تخرقها الشهوات ويدنسها الطمع ويقسيها النعيم فسوف تكون أوعية للحكمة.
__________________
(١) تاق اليه : اشتاق.
(٢) في المصدر : ويؤكل.
(٣) زور : من الكلام ، وزور الشئ : حسنه وقومه.
(٤) في نسخة من المصدر : يرمقون من تحت حواجبهم اه.
(٥) شمخ برأسه : رفعه.