بحق أقول لكم : إن الحريق ليقع في البيت الواحد فلايزال ينتقل من بيت إلى بيت حتى تحترق بيوت كثيرة إلا أن يستدرك البيت الاول فيهدم من قواعده فلا تجد فيه النار محلا ، (١) وكذلك الظالم الاول لو أخذ على يديه لم يوجد من بعده إمام ظالم فيأتمون (٢) به كما لو لم تجد النار في البيت الاول خشبا وألواحا لم تحرق شيئا.
بحق أقول لكم : من نظر إلى الحية تؤم أخاه لتلدغه ولم يحذره حتى قتلته فلا يأمن أن يكون قد شرك في دمه ، وكذلك من نظر إلى أخيه يعمل الخطيئة ولم يحذره عاقبتها حتى أحاطت به فلا يأمن أن يكون قد شرك في إثمه ، ومن قدر على أن يغير الظالم ثم لم يغيره فهو كفاعله ، وكيف يهاب الظالم وقد أمن بين أظهركم لاينهى ولايغير عليه ولا يؤخذ على يديه ، فمن أين يقصر الظالمون أم كيف لايغترون؟ فحسب أحدكم أن يقول : لا أظلم ومن شاء فليظلم ، ويرى الظلم فلا يغيره ، فلو كان الامر على ما تقولون لم تعاقبوا مع الظالمين الذين لم تعملوا بأعمالهم حين تنزل بهم العثرة في الدنيا ، ويلكم يا عبيد السوء كيف ترجون أن يؤمنكم الله من فزع يوم القيامة وأنتم تخافون الناس في طاعة الله ، وتطيعونهم في معصيته ، وتفون لهم بالعهود الناقضة لعهده؟ بحق أقول لكم : لايؤمن الله من فزع ذلك اليوم من اتخذ العباد أربابا من دونه.
ويلكم ياعبيد السوء من أجل دنيا دنية وشهوة رديئة تفرطون في ملك الجنة و تنسون هول يوم القيامة! ويلكم ياعبيد الدنيا من أجل نعمة زائلة وحياة منقطعة تفرون من الله وتكرهون لقاءه! فكيف يحب الله لقاءكم وأنتم تكرهون لقاءه؟ وإنما يحب الله لقاء من يحب لقاءه ، ويكره لقاء من يكره لقاءه ، وكيف تزعمون أنكم أولياء الله من دون الناس وأنتم تفرون من الموت وتعتصمون بالدنيا؟ فماذا يغني عن الميت طيب ريح حنوطه وبياض أكفانه وكل ذلك يكون في التراب ، كذلك لا يغني عنكم بهجة دنياكم التي زينت لكم ، وكل ذلك إلى سلب وزوال ، ماذا يغني عنكم نقاء أجسادكم وصفاء ألوانكم و إلى الموت تصيرون ، وفي التراب تنسون ، وفي ظلمة القبر تغمرون؟! ويلكم يا عبيد الدنيا
__________________
(١) في نسخة : فلا تجد فيه النار عملا. وفي المصدر : معملا. والمعمل : موضع العمل.
(٢) كذا في الكتاب ومصدره ، وفي نسخة « فيؤتم به » وهو الاصح.