تحملون السراج في ضوء الشمس وضوؤها كان يكفيكم ، وتدعون أن تستضيؤوا بها في الظلم ومن أجل ذلك سخرت لكم! كذلك استضأتم بنور العلم لامر الدنيا وقد كفيتموه وتركتم أن تستضيؤوا به لامر الآخرة ومن أجل ذلك أعطيتموه ، تقولون : إن الآخرة حق وأنتم تمهدون الدنيا ، وتقولون : إن الموت حق وأنتم تفرون منه ، وتقولون : إن الله يسمع ويرى ولا تخافون إحصاءه عليكم ، فكيف (١) يصدقكم من سمعكم فإن من كذب من غير علم أعذر ممن كذب على علم وإن كان لاعذر في شئ من الكذب.
بحق أقول لكم : إن الدابة إذا لم تركب (٢) ولم تمتهن وتستعمل لتصعب ويتغير خلقها ، وكذلك القلوب إذا لم ترقق بذكر الموت ويتبعها دؤوب العبادة (٣) تقسو وتغلظ. ماذا يغني عن البيت المظلم أن يوضع السراج فوق ظهره وجوفه وحش مظلم؟ كذلك لا يغني عنكم أن يكون نور العلم بأفواهكم وأجوافكم منه وحشة معطلة! فاسرعوا إلى بيوتكم المظلمة فأنيروا فيها ، كذلك فاسرعوا إلى قلوبكم القاسية بالحكمة قبل أن ترين عليها الخطايا (٤) فتكون أقسى من الحجارة ، كيف يطيق حمل الاثقال من لا يستعين على حملها؟ أم كيف تحط أوزار من لا يستغفر الله منها؟ أم كيف تنقى ثياب من لا يغسلها؟ وكيف يبرأ من الخطايا من لايكفرها؟ (٥) أم كيف ينجو من غرق البحر من يعبر بغير سفينة؟ وكيف ينجو من فتن الدنيا من لم يداوها بالجد والاجتهاد؟ وكيف يبلغ من يسافر بغير دليل؟ وكيف يصير إلى الجنة من لا يبصر معالم الدين؟ وكيف ينال مرضاة الله من لايطيعه؟ وكيف يبصر عيب وجهه من لاينظر في المرآة؟ وكيف يستكمل حب خليله من لايبذل له بعض ماعنده؟ وكيف يستكمل حب ربه من لا يقرضه بعض مارزقه؟ بحق أقول لكم : إنه كما لاينقص البحر أن تغرق فيه السفينة ولا يضره ذلك شيئا كذلك لاتنقصون الله بمعاصيكم شيئا ولا تضرونه بل أنفسكم تضرون ، وإياها تنقصون ،
__________________
(١) في المصدر : وكيف.
(٢) في المصدر : إذا لم ترتكب. قلت : ارتكب بمعنى ركب. وامتهن الفرس : استعمله للخدمة والركوب.
(٣) في المصدر : تتبعها دؤوب العبادة. قلت دأب في العمل دؤوبا : جد وتعب واستمر عليه.
(٤) أي قبل أن تغلب عليها الذنوب والخطايا وغطتها.
(٥) أي من لم يمحها بالاستغفار.