كذلك فأخلصوا الايمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبه. (١)
بحق أقول لكم : لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به فلم يمنعكم منه ريح قطرانه ، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها ، ويلكم ياعبيد الدنيا لا كحكماء تعقلون ، ولا كحلماء تفقهون ، ولا كعلماء تعلمون ، ولا كعبيد أتقياء ، ولا كأحرار كرام ، توشك الدنيا أن تقتلعكم من أصولكم فتقلبكم على وجوهكم ، ثم تكبكم على مناخركم ، ثم تأخذ خطاياكم بنواصيكم ويدفعكم العلم من خلفكم حتى يسلماكم إلى الملك الديان عراة فرادى فيجزيكم بسوء أعمالكم.
ويلكم ياعبيد الدنيا أليس بالعلم أعطيتم السلطان على جميع الخلائق فنبذتموه فلم تعملوا به ، وأقبلتم على الدنيا فبها تحكمون ، ولها تمهدون ، وإياها تؤثرون وتعمرون فحتى متى أنتم للدنيا ليس لله فيكم نصيب؟.
بحق أقول لكم : لاتدركون شرف الآخرة إلا بترك ماتحبون ، فلا تنتظروا بالتوبة غدا ، فإن دون غد يوما وليلة ، قضاء الله فيهما يغدو ويروح.
بحق أقول لكم : إن صغار الخطايا ومحقراتها لمن مكائد إبليس يحقرها لكم و يصغرها في أعينكم ، وتجتمع فتكثر وتحيط بكم.
بحق أقول لكم : إن المدحة بالكذب والتزكية في الدين لمن رأس الشرور المعلومة وإن حب الدنيا لرأس كل خطيئة.
بحق أقول لكم : ليس شئ أبلغ في شرف الآخرة وأعون على حوادث الدنيا من الصلاة الدائمة ، وليس شئ أقرب إلى الرحمن منها ، فدوموا عليها ، واستكثروا منها ، وكل عمل صالح يقرب إلى الله فالصلاة أقرب إليه وآثر عنده.
بحق أقول لكم : إن كل عمل المظلوم الذي لم ينتصر بقول ولا فعل ولا حقد هو في ملكوت السماء عظيم ، أيكم رأى نورا اسمه ظلمة أو ظلمة اسمها نور؟ كذلك لايجتمع للعبد أن يكون مؤمنا كافرا ، ولا مؤثرا للدنيا راغبا في الآخرة ، وهل زراع شعير يحصد قمحا؟
__________________
(١) الغب : العاقبة.