أو زراع قمح يحصد شعيرا؟ كذلك يحصد كل عبد في الآخرة ما زرع ، ويجزى بما عمل.
بحق أقول لكم : إن الناس في الحكمة رجلان : فرجل أتقنها بقوله وضيعها بسوء فعله ، ورجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله ، وشتان بينهما! فطوبى للعلماء بالفعل ، وويل للعلماء بالقول.
بحق أقول لكم : من لاينقي من زرعه الحشيش يكثر فيه حتى يغمره فيفسده ، و كذلك من لايخرج من قلبه حب الدنيا يغمره حتى لايجد لحب الآخرة طعما. ويلكم ياعبيد الدنيا اتخذوا مساجد ربكم سجونا لاجسادكم ، واجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوى ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات.
بحق أقول لكم : أجزعكم (١) على البلاء لاشدكم حبا للدنيا ، وإن أصبركم على البلاء لازهدكم في الدنيا. ويلكم ياعلماء السوء ألم تكونوا أمواتا فأحياكم فلما أحياكم متم؟ (٢) ويلكم ألم تكونوا أميين فعلمكم فلما علمكم نسيتم؟ (٣) ويلكم ألم تكونوا جفاة ففقهكم الله فلما فقهكم جهلتم؟ (٤) ويلكم ألم تكونوا ضلالا فهداكم فلما هداكم ضللتم؟ (٥) ويلكم ألم تكونوا عميا فبصركم فلما بصركم عميتم؟ (٦) ويلكم ألم تكونوا صما فأسمعكم فلما أسمعكم صممتم؟ ويلكم ألم تكونوا بكما فأنطقكم فلما أنطقكم بكمتم؟ (٧) ويلكم ألم تستفتحوا فلما فتح لكم نكصتم على أعقابكم؟
__________________
(١) في المصدر : إن أجزعكم.
(٢) بخوضكم في الدنيا والشهوات ، وترككم الاقبال على الاخرة ، فكنتم خلقتم للاخرة ونعيمها والبقاء فيها فأعرضتم عنها واقبلتم إلى الدنيا فصرتم ميتين بل أشد خيبة منهم ، لانكم في الاخرة معذبون وعن نعيمها محرومون.
(٣) حيث إنكم لم تعملوا بما تعلمون فكانكم نسيتم ذلك.
(٤) بترككم العمل بفقهكم.
(٥) الهداية هنا بمعنى إرادة الطريق ، أي هديتم السبيل ، فمشيتم على غيره فضللتم.
(٦) أي بصركم فلم تبصروا ولم تنفعكم البصائر ، حيث إنكم عملتم عمل من لايبصر شيئا.
(٧) حيث إنكم تركتم القول فيما أنطقكم له.