يده أمر أن يجعل في جب عظيم واسع ، ويجعل معه الاسد ليأكله ، فلم يقربه ، وأمر أن لا يطعم ، فكان الله تعالى يأتيه بطعامه وشرابه على يد نبي من أنبياء بني إسرائيل ، فكان يصوم دانيال النهار ، ويفطر الليل على مايدلى إليه من الطعام ، واشتدت البلوى على شيعته وقومه المنتظرين لظهوره ، وشك أكثرهم في الدين لطول الامد ، فلما تناهى البلاء بدانيال وبقومه رأى بخت نصر في المنام كأن ملائكة من السماء قد هبطت إلى الارض أفواجا إلى الجب الذي فيه دانيال مسلمين عليه يبشرونه بالفرج ، فلما أصبح ندم على ما أتى إلى دانيال ، فأمر أن يخرج من الجب ، فلما أخرج اعتذر إليه مما ارتكب منه من التعذيب ، ثم فوض إليه النظر في أمور ممالكه والقضاء بين الناس. فظهر من كان مستترا من بني إسرائيل ورفعوا رؤوسهم ، واجتمعوا إلى دانيال عليهالسلام موقنين بالفرج ، فلم يلبث إلا القليل عن تلك الحال حتى مضى لسبيله ، (١) وأفضى الامر بعده إلى عزير وكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون عنه معالم دينهم ، فغيب الله عنهم شخصه مائة عام ثم بعثه ، وغابت الحجج بعده ، واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ظهر يحيى عليهالسلام. (٢)
أقول : تمام الخبر في باب قصة طالوت.
٦ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى وهب بن منبه قال : كان بخت نصر منذ ملك يتوقع فساد بني إسرائيل ويعلم أنه لايطيقهم إلا بمعصيتهم ، فلم يزل يأتيه العيون باخبارهم حتى تغيرت حالهم ، وفشت فيهم المعاصي ، وقتلوا أنبياءهم ، وذلك قوله تعالى جل ذكره : « وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين » إلى قوله : « فإذا جاء وعد أولاهما » يعني بخت نصر وجنوده أقبلوا فنزلوا بساحتهم ، فلما رأوا ذلك فزعوا إلى ربهم وتابوا وثابروا على الخير ، وأخذوا على أيدي سفهائهم ، وأنكروا المنكر وأظهروا المعروف ، فرد الله لهم الكرة على بخت نصر ، وانصرفوا بعد مافتحوا المدينة ، وكان سبب انصرافهم أن سهما وقع في جبين فرس بخت نصر فجمح (٣) به حتى أخرجه
__________________
(١) في المصدر : فلم يلبث الا القليل على تلك الحال حتى مات.
(٢) كمال الدين : ٩١ و ٩٤ و ٩٥. وفيه : حتى ولد يحيى عليهالسلام.
(٣) جمح الفرس : تغلب على راكبه وذهب به لاينثنى. استعصى.