إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه (١) » والتضييق (٢) الذي قدره الله عليه هو مالحقه من الحصول في بطن الحوت ، وما لحقه في ذلك من المشقة الشديدة إلى أن نجاه الله تعالى منها. وأما قوله تعالى : « فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين » فهو على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخضوع بين يديه ، وليس لاحد أن يقول : كيف يعترف بأنه كان من الظالمين ولم يقع منه ظلم؟ وذلك أنه يمكن أن يريد أني من الذين يقع منهم الظلم ، فيكون صدقا وإن ورد على سبيل الخشوع والخضوع ، لان جنس البشر لا يمتنع منه وقوع الظلم ، والفائدة في ذلك التطأمن (٣) لله تعالى والتخاضع ونفي التكبر والتجبر كما يقول الانسان إذا أراد أن يكسر نفسه : إنما أنا من البشر ولست من الملائكة ، وأنا ممن يخطئ ويصيب ، وهو لا يريد إضافة الخطاء إلى نفسه. انتهى. (٤)
أقول : على ماذكره رحمه الله يحتمل أن يكون الغرض عد نعمه تعالى عليه بأني مع كوني ممن يقع منه الظلم عصمتني عنه ، فلو وكلتني إلى نفسي لكنت مثلهم ظالما ، ولكن بعصمتك نجيتني ، ومن آداب الدعاء والمسألة عد النعم السالفة للمنعم على السائل.
ثم قال رحمه الله : ووجه آخر وهو أنا قد بينا في قصة آدم عليهالسلام أن المراد بذلك أنا نقصنا الثواب وبخسنا حظنا منه ، لان الظلم في أصل اللغة : النقص والثلم ، ومن ترك المندوب فقد ظلم نفسه من حيث نقصها ثواب ذلك. (٥) وأما قوله تعالى : « فاصبر لحكم ربك ولاتكن كصاحب الحوت » فليس على ماظنه الجهال من أنه ثقل عليه أعباء النبوة لضيق خلقه فقذفها ، وإنما الصحيح أن يونس لم يقو على الصبر على تلك المحنة التي ابتلاه الله بها لغاية الثواب ، فشكا إلى الله تعالى منها وسأله الفرج والخلاص ،
__________________
(١) الفجر : ١٦.
(٢) في المصدر : أي ضيق ، والتضييق إه.
(٣) التطأمن : الانخفاض والخشوع.
(٤) تنزيه الانبياء : ٩٩ و ١٠٠.
(٥) في المصدر : ومن ترك المندوب إليه وهو لو فعله لاستحق الثواب يجوز أن يقول : إنه ظلم نفسه من حيث نقصها ذلك الثواب.