وأما الطيور فلا دليل على عدم تمييزها وقابليتها للتسبيح ، مع أن كثيرا من الاخبار دلت على أن لها تسبيحا ، وما سيأتي من قصة النمل يؤيده.
ثم قال رحمه الله : وقيل : معناه سيري معه ، فكانت الجبال والطير تسير معه أينما سار. والتأويب : السير بالنهار ، وقيل : معناه : ارجعي إلى مراد داود فيما يريده من حفر بئر ، واستنباط عين ، واستخراج معدن (١) « أن اعمل سابغات » أي قلنا له : اعمل من الحديد دروعا تامات « وقدر في السرد » أي عدل في نسج الدروع ، ومنه قيل لصانعها سراد وزراد ، والمعنى : لا تجعل المسامير دقاقا فتنفلق ، ولا غلاظا فتكسر الحلق ، (٢) وقيل : السرد : المسامير التي في حلق الدروع. (٣)
٩ ـ فس : « وعلمناه صنعة لبوس لكم » أي الزرد (٤) « لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون » (٥)
بيان : قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : « وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير » : قيل : معناه سيرنا الجبال مع داود حيث سار ، فعبر عن ذلك بالتسبيح لما فيه من الآية العظيمة التي تدعو إلى تسبيح الله تعالى وتعظيمه وتنزيهه عن كل ما لايليق به ، وكذلك تسخير الطير له تسبيح يدل على أن مسخرها قادر لايجوز عليه مايجوز على العباد ، عن الجبائي وعلي بن عيسى ، وقيل : إن الجبال كانت تجاوبه بالتسبيح ، وكذلك الطير تسبح معه بالغداة والعشي معجزة له ، عن وهب ، وفي قوله : « وعلمناه صنعة لبوس لكم » أي علمناه كيف يصنع الدرع ، قال قتادة : أول من صنع الدرع داود ، إنما كانت صفائح ، جعل الله سبحانه الحديد في يده كالعجين ، فهو أول من سردها وحلقها فجمعت الخفة والتحصين وهو قوله : « لتحصنكم من بأسكم » أي ليحرزكم ويمنعكم من وقع السلاح فيكم ،
__________________
(١) في المصدر زيادة وهي : ووضع طريق « وألنا له الحديد » فصار في يده كالشمع يعمل به ما شاء من غير أن يدخله النار ولا أن يضربه بالمطرقة ، عن قتادة.
(٢) انفلق : انشق ، وفي المصدر فتفلق أي فتشق. وفي نسخة : فتنكسر الحلق.
(٣) مجمع البيان ٨ : ٣٨١ و ٣٨٢.
(٤) في المصدر : يعني الدرع.
(٥) تفسير القمي : ٤٣١.