ملكا لم يقدر أحد على تحصيله بقوته لئلا يقال : إن ملكه مأخوذ بالغلبة ، فلا يكون معجزا له ، فعلى هذا يكون قوله عليهالسلام : ( ما أبخله بعرضه ) لانه كان ذلك أيضا مقصودا له ضمنا وإن كان المقصود بالذات كونه معجزا ، والظاهر أنه عليهالسلام كان يعلم أن الخبر موضوع ، وإنما أوله تحرزا عن طرح الخبر المشهور بينهم تقية ، ولذا ردد عليهالسلام بين الوجهين ، ولو كان صادرا عنه (ص) لكان عالما بما أراده به ، وأما كون ما أعطاه الرسول أفضل (١) فلانه تعالى أعطى سليمان ما أعطى وفوض الامر إليه في بذله ومنعه ولم يفوض إليه تعيين أمر بخلاف نبينا صلىاللهعليهوآله فإنه فوض إليه الامر وأمر الناس باتباعه في كل مايقول ، وهذا مبني على التفويض وسيأتي تحقيقه في كتاب الامامة.
ويحتمل أن يكون الفضل بسبب أنه فوض إليه إعطاء الامور الدنيوية ومنعها وأعطى النبي صلىاللهعليهوآله الرئاسة العامة في الدين والدنيا لجميع الخلق ، وفيه شئ.
وقال الطبرسي في قوله تعالى : « رخاء » أي لينة سهلة ، وقيل : طيبة سريعة ، و قيل : أي مطيعة « حيث أصاب » أي حيث أراد سليمان من النواحي. (٢)
٢ ـ ب : محمد بن عبدالحميد ، عن أبي جميلة ، عن أبي عبدالله (ع) في قول سليمان : « هب لي (٣) ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب » قلت : فأعطي الذي دعا به؟ قال : نعم ، ولم يعط بعده إنسان ما أعطي نبي الله عليهالسلام من غلبة الشيطان فخنقه إلى
__________________
(١) في الحديث غموض واجمال ، والوجهان اللذان ذكرهما المصنف في معناه ايضا لا يخلوان عن خفاء واشكال ، ويمكن أن يكون المعنى ان سليمان عليهالسلام كان مختارا في بذل ما اعطاه الله وامساكه وكذا امته كانوا مختارين في قبوله ورده ، ولكن امة نبينا صلىاللهعليهوآله كانوا مكلفين أن يأخذوا بأمره وينتهوا بنهيه ، وهو أيضا لا يخلو عن تأمل والله يعلم وامناؤه.
وذكر الكليني عن زيد الشحام انه قال : سألت ابا عبدالله عليهالسلام في قوله تعالى : « هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب » قال : اعطى سليمان ملكا ثم جرت هذه الاية في رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان له يعطى مايشاء من يشاء ، ويمنع من يشاء مايشاء ، واعطاه افضل مما اعطى سليمان لقوله تعالى : « ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ».
(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٧٧.
(٣) في المصدر : رب هب لي.