مولد النبي الكريم وبعثته
وانت لما ولدت اشرقت الار |
|
ض وضائت بنورك الافق (١) |
في أخريات القرن السادس من ميلاد المسيح عليهالسلام كانت الارض ثؤرة فساد وضلالة ؛ وحمأة طيش وجهالة ؛ من بغى عدوان وعبادة أوثان وحروب طاحنة ؛ وأحقاد ملتهبة وغارات متواصلة ، ليس في ظلمتها المتراكم بعضها على بعض بصيص من نور هدى ولابارقة أمل في سداد.
لاجرم أن الانسانية بروحها الطاهرة ونفسها المجردة عن سلطان الهوى والشهوات كانت تعج وتضج الى بارئها أن يبرّبها ويبرئها ويعطف عليها فيبعث لها من يبلسم (٢) جراحها ، ويصف بها صلاحها ويدلّها على سعادتها الدائمة وحياتها الخالدة ؛ ويحكم فيها سلطان العدل والعقل فيصلح الفاسد من كل نواحيها ، ولاريب أن الرّب ـ جل شأنه ـ ما خلق الانسانية ليرمى بها في تيّار من الشقاء تتقاذف بها أمواجه ، وتترامى بها أعاصيره طول الابد ، بل خلقها للنعيم والسعادة ، وللهناء والرحمة ونعمة الخلود في الابدية هنالك حيث الحرة (٣) السوداء والجبال الجرداء والحجارة الخشناء والعرصات القاحلة والرمال الملتهبة ، هناك حيث لازرع ولاضلوع ولاشجراء ولانضراء ، هناك بين أطواد تهامة وجبال فاران وربوات حوريث وساعير ، هناك من جوامع الجبروت وصوامع الملكوت
__________________
(١) هذا البيت للعباس عمّ النبي صلىاللهعليهوآله وبعد قوله :
فنحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد نخترق
انظر الانوار المحمدية للنبهاني ص ٢٥ ط بيروت.
(٢) البلسم مادة صمغية تضمد بها الجراحات.
(٣) الحرة الارض ذات حجارة نخرة سود كانها أحرقت بالنار.