بل وغريب جداً ، كأنك نسيت قوله تعالى في نبيه نوح عليهالسلام : فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً . (١) وذكر أرباب السير أن عمره كان الفاً وستمأة ، وقيل أقل ، وقيل اكثر حتى قيل انه تجاوز الالفين. ومن تدبر وأنصف عرف أن الانسان اذا أمكن أن يعيش سنة امكان ان يعيش ألوف السنين فان من وهبه الحياة سنة يقدر أن يمدّها الى ماشاء الله.
وأما سبب غيبة الخضر عليهالسلام ان صح كونه حيّاً موجوداً الى الآن كما عليه اكثر علماء الفريقين فلعل العلة في غيبته كراهته لمعاشرة هذا الخلق المنعوس ، وتجافيه عن مباشرة البشر الذي ثلثاه شرّ ، بل كلّه شرّ الاّ من عصم الله ممن يصل اليهم او يصلون اليه ، ويأنس بهم ويأنسون اليه. أراد ـ ونعم ما أراد ـ أن يعيش متباعداً عن هذه الجلبة والضوضا ، والمدنية الزائعة ، وكان وظيفته بني الانبياء ـ ان كان نبيّاً ـ تكميل الخواص من عباد الله من السيّاح والزهاد ، والابدال والاوتاد بخلاف سائر الانبياء ، فان وظيفتهم دعوة العامة من سواد الناس الى الايمان بالله واليوم الاخر ولو بالايمان والبسيط واليقين الضعيف.
__________________
لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته وقولهم هذا ليس مجرد ظن بل هو نتيجة عملية مؤيدة بالامتحان. راجع الى اجزاء تلك المجلة تجد فيها البراهين الجلية في اثبات هذا الموضوع على ان من كان من البشر مزاجه في منتهى حد الاعتدال الحقيقي يمكن ان يعيش ويبقى حيا مادامت اسباب العيش موفورة له ومادام لم يعرض له عارض خارجي يميته.
والاعتدال الحقيقى في المزاج يوجد في بعض الناس من الانبياء والاولياء وما ذكره السابقون من الفلاسفة من الشبهات في وجوده فقد ظهر وهنها اليوم ولا يعبأ با في هذا العصر انكشاف اسرار الطبيعة.
(١) سورة ٢٩ آية : ١٤.