سوداءة لايعيش فيها ضرع ولازرع ، واهل الحجاز على الغالب فقراء بالفقر المدقع الذي كان يدفعهم الى استطابة اكل الحشرات والوحوش من الضب ، واليربوع ، والأرانب ونحوها بل ربما يضطرون في بعض السنوات الى اكل الدم الممتزج بالصوف بل ما هو اسوأ من ذلك فقضت الحكمة الالهية الارفاق بأهل تلك البلاد والتوسعة عليهم ، ومن يتجوّل في القبائل الحجازية وينظر شحوب تلك الشعوب ، وغيرة وجوههم ، ورّث ملابسهم وجشوبة طمعهم يعرف سعة الرحمة الآلهية والشفقة الربوبية في فرض هذا النسك ، ومن يراجع الايات الكريمة الواردة في هذا الموضوع يعرف جلياً أنّ الحكمة والغرض من هذا الحكم هو التوسعة على الفقراء والهلكى الذين هم أكثر أهل الحجاز واشباع نهمهم وسد فورتهم يقول جلّ شأنه : فَكُلُوا مِنْها وأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (١) ـ ثم يقول : فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وأَطْعِمُوا الْقانِعَ والمُعْتَرَّ (٢) فقول السائل انه لامصرف لها غير صحيح وكلّ احد يعلم أنّ جمعاً كبيراً من أعراب تلك النواحي يجتمعون ويتقاسمون تلك الذبائح فيما بينهم ويتناهبون تلك الاغنام انتهاب الغنائم ، وان بقى فضلة منها فهي من التوابع القهرية ، والغالب أنّ الخير الكثير ليستتبع الشرّ اليسير ، وهذا ايضاً لايعود الى نقص في التشريع فانّ قبائل الحجاز لو اجتمع نصفهم فضلا عن كلهم لما كان يقع سهم كلّ واحد منهم شاة واحدة من تلك الاضاحي الكثيرة لانّهم يبلعون على أقل تقدير أكثر من مليونين ونصفهم على أقل فرض فقراء فلو اجتمعوا في صحراء منى وعرفات وهي قريبة منهم أو ارسلو وكيلا ، أو وكلاء يحملون اليهم حصصهم لكان سهم كل عشرة شاة واحدة ولكن هم المقصرون في الانتفاع بما فرضة الله لهم.
أمّا تعيين مقدار من النقود بدلها فهو خلاف غرض الشارع الذي يحب اطعام
__________________
(١) سورة الحج آية : ٢٨.
(٢) سورة الحج آية : ٣٦.