وفيها ما يشعر
بأنّهما جسمان واكثرها صريح في عدم الجسمية وأنّهما من مقولة العلم والقدرة والملك وصفات الذات المقدسة ، وبالجملة فامعان النظر في الاخبار وكلمات العلماء والمفسرين لا يزيد الا الحيرة والارتباك والذى أراه في هذا الموضوع الدقيق والسرّ العميق والبحث المغلف بسرائر الغيب وحجب الخفاء أنّ المراد بالكرسي هو الفضاء المحيط بعالم الاجسام كلها من السّماوات والارضين والكواكب والافلاك والشموس ، فانّ هذه العوالم الجسمانية بالقطع والضرورة لها فضاه يحويها ويحيط بها سواء كان ذاك الفضاء متناهياً بناءً على تناهي الأبعاد أو غيرمتناهي أيّ مجهول النهاية بناءاً على صحة عدد متناهى معلولات العلة الغير المتناهية ، وهذا الفضاء المحيط بعوالم الاجسام هو الكرسيّ ـ وسع كرسيه السماوات والأرض ـ وهو المعبّر عنه ايضاً بلسان الشرع ( بعالم الملك ) تبارك الذي بيده الملك ، ثم تحمل هذا الفضاء وكل ما فيه القوة المدبّرة المتصرفة فيه وليست هي من الأجسام بل نسبتها الى الاجسام نسبة الروح الى الجسم وهذه هي ( العرش ) الذي يحيط بالكرسي ويحمله ويدبّره ويصرّفه ويتصرّف فيه ، وتقوم تلك القوة بثمانية أركان كلّ واحد متكفّل بجهة من التدبير فتحمل ذلك العرش المحيط بالكرسي وما فيه وهي حملة العرش ، ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ، ولعلّ هذه الثمانية هي الصفات الثمانية : العلم والقدرة والحياة والوجود والارادة والسمع والبصر والادراك ، فهي بالنظر الى نسبتها الى تدبير الاجسام والسماء والارض وما فيهما ( العرش الاولى ) وبالنظر الى نسبتها الى الذات المقدّسة وأنّها صفات تلك الذات ( العرش الاعلى ) والملائكة الكروبيين ، والعرش الاعلى والادنى هو عالم الملكوت ثم فوق القوة المدّبرة للاجسام عالم العقول والمجرّدات والملائكة الروحانيين وهذا هو عالم الجبروت ، ثم يحيط بهذا العالم ويدبّره ويتصل به عالم الأسماء والصفات والاشراقات والتجلّيات وهو عالم اللاهوت ، فانتظمت العوالم الاربعة هكذا عالم