قوة للآخر يتفقد شؤونه ، ويشاركه في سرّائه وضرّائه ، ونعيمه وشقائه ، فتكون من ذلك المسلمين قوّة هائلة ، لا تقاومها كلّ قوة في العالم ، أذكر انّي عام ( ١٣٣٠ ه ) أعني قبل احدى واربعين سنة لما تشرفت للحج اجتمعت على ربوة (١) مساء حول مسجد الخيف بجماعة من الحجاج ، فكان فيهم الصيني ، والمراكشي ، واليماني ، والعراقي ، والهندي ، وكان فيهم من يحسن اكثر اللغات ، فانجرّ الحديث الى الحج ومنافعه ، وفوائده ، مع كثرة متاعبه ، وتكاليفه ، فقلت أيّ فائدة تريدون أعظم من اجتماعنا هذا وهل كان يدور في خلد أحد أن يجتمع الصيني في أقصى الشرق بالمراكشي وهو في أقصى الغرب والعراقي والفارسي وهو في طرف الشمال باليماني وهو من أقصى الجنوب ، ولكنّ المسلمون ويا للأسف لو كان يجدى الأسف انّهم لما فاتهم الحجى واللبّ أصبحت أعمالهم بل وعباداتهم قشراً بلا لبّ ، يجتمعون وهم متفرّقون ، ويتقاربون وهم متباعدون ، متقاربة أجسامهم متضاربة أحلامهم ، يحجّون ولا يتعرّف احدهم باخيه ولا يرى الاّ صورته ، ولا يعرف شيئاً من أحواله بل ولا اسمه ، وبهذا ومثله وصلنا الى الحال التي نحن فيها اليوم ، فلا حول ولا قوّة ، وبالله المستعان على هذا الزمان وأهل الزمان.
__________________
(١) الربوة المكان المرتفع بضم الراء قال الفيومى وهو الاكثر والفتح لغة بني تميم والكسر لغة سميت ربوة لانها ربت فعلت والجمع ربى مثل مدية ومدى.