النظرية ولكن من عرضته الشبهة واعتقد بالاستحالة والامتناع عقلاً وأنّه لابد من تأويل الظواهر الشرعيّة كي لا يتنافي الشرع مع العقل ويسقط عنده قول المستدل : انّه ممكن وأخبر به الصادق الامين لاندفاعه عنده بما أشرنا اليه قريباً فلابد حينئذ من رفع هذه الدعوى أعني دعوى الاستحالة والامتناع واثبات انّه ممكن عقلاً بل واقع فاللازم اثبات امانه الذاتي وامكانه الوقوعي ابقاء للادلة الشرعية على ظواهرها ، وقطع أيدي التأويل عن منيع مقامها.
وحيث أنّ الحاجة الى النظر في هذه القضية لابد أن يكون من غير الظواهر النقلية بل من المبادء العقلية ، فاعلم اوّلا أنّ الاقوال في المعاد أربعة : ( احدها ) انكاره مطلقاً لا جسماً ولا روحاً ، وهو قول جميع الملاحدة والطبيعيين الذين ينكرون المبدأ ، فكيف المعاد وهما متلازمان في المفاد وبينهما أقوى مراتب الاتحاد واثبات المبدأ يكفي في ابطال هذا القول. راجع الجزء الاول من ( الدين والاسلام ) تجد فيه لا ثبات الصانع ما يغنيك عن غيره ، باجلي بيان وأقوى برهان.
( ثانيها ) اثبات المعاد الروحاني فقط نظراً الى أنّ الارواح مجّردة والمجرد باق ، والجسم مركب من عناصر شتى ، واذا فارقته الروح ، ودخلت في عالم المفارقات انحل هذا المركب ولحق كل عنصر باصله. وانعدم وتلاشى ذلك المركب ، وانعدمت تلك الصورة ، والمعدوم يستحيل عوده والروح باقية ، وهي التي تعاد للحساب وانجاز عملية الثواب والعقاب ، ولعل الى هذا الرأي المثالي أو الخيالي بشير المعلم الثاني ابو نصر الفارابي قدسسره (١) في ارجوزته التي يقول فيها.
__________________
(١) محمّد بن محمّد
بن طرخان ابو نصر الفارابي ويعرف بالمعلم الثاني من اكبر حكماء المسلمين وفلا سفتهم المشاهير. وهو تركي الاصل مستعرب ولد في ( فاراب ) « ٢٦٠ ه » وانتقل الى
بغداد فنشأ فيها ورحل الى الشام واتصل بسيف الدولة الهمدانى وتوفي في دمشق سنة ٣٣٩ ه وصلى عليه
سيف الدوله