وعقار ، وأشرف على الرحيل من هذه الدار الى دار القرار ، وهم بعد لم يبلغوا رشدهم الكامل ، ولايزالون في أشد الحاجة الى من يقوم بشؤونهم ، وينهض بأعباء تربيتهم وحل مشكلاتهم ، ورفع خصوماتهم ، فلو تركهم ولينصب قيما عليهم يحسن التربية ، ويحل المشكلة ، ويدفع المعضلة ، ويرفع الخصومة ، ولانص على وليّ فيهم ، أفلا يكون ذلك نقصاً في مروؤته ، واخلالاً برسالته وتفريطاً في أمانته ؟ نعم وان شريعة الاسلام المقدسة ما تركت شيئا الا وجعلت له حقه ؛ ولاعملا الا وعينت حكمه ، ولا موضوعا الا وقدرت حدّه ؛ وأودعت كل ذلك في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولكن هذا الفرقان المجيد فيه آياتُ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَها إِلاَّ اللهُ والرّسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ؛ وهم من يستمد من ينابيع الوحي ومطالع الانوار الأزلية ، ولو أن الرسول لم يعرّف الامة بمن اختصه الله بمعرفة التنزيل والتأويل ، والمحكم والمتشابه والمجمل والمبيّن ، والناسخ والمنسوخ ، لو لم ينصب للناس اماما ولم ينص على خليفة يقوم مقامه لكانت رسالته ناقصة ، والابصار الى كمالها شاخصة ؛ نعم لولا تعيين الولي على المسلمين لخان الامانة فيهم ؛ ولو ترك التعيين اليهم لزادت المحنة وعظمت بالاختلاف البلية ؛ ولو تركوا هلكوا في أي واد سلكوا ، والشريعة التي ما تركت شيئاً الا وذكرت حكمه ، وقدرت حدّه ، وعينت حقّه حتى أرش الخدش ، وقصّ الشعر ، وتقليم الاظافر كيف يسوغ للعقول القبول بأنها قد أهملت هذا الامر العظيم ، او فوضته الى اختيار الضعفاء القاصرين مهما كانت منزلتهم في الدين ، ومن ذلك ينفتح لك الطريق الى معرفة وجوب عصمة الامام ، وينضتح مغزى قوله تعالى : يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بّلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ؛ (١) يا رسول الله ان لم تبلغ النص
__________________
(١) سورة ٥ آية : ٧٢.