ينظره المسلم نصا مقدسا ، ولا يمكن أن نتطلب من مستشرق أن يرى القرآن بعين المسلمين ، فلا نحمله أكثر من مهمته الأكاديمية ، فقد يتهاون بعض المستشرقين بأقدس جانب من القرآن ولا يراه تهاونا ، وقد يقصر في عرض وجهة نظر دقيقة ولا يجده تقصيرا ، وقد يطنب في نواح لا تستدعي اهتماما جديا في نظرنا ، ومع ذلك رأينا البعض الآخر يعامل القرآن معاملة تفوق معاملته للتوراة والانجيل وان كان يهوديا أو مسيحيا ، معتبرا القرآن من المقدسات الإلهية الكبرى ، كما هي الحال عند المتورعين من المسلمين.
وفي هذا الضوء يجب أن يكون الباحث منصفا في التقويم والجرح والتعديل ، ولا يتطلب من الحركة الاستشراقية أكثر مما تدعيه هي لنفسها ، أو أمرن مما تسمح به لها الطقوس الدينية المتداولة ، وهذا لا يعني أن نغض طرفا عن الأخطاء الطائلة إن وجدت ، أو النزاعات المتطرفة ان كشفت ، ولا نتستر على النيات المشبوهة الأحكام ، ولا نقف موقف المتسامح من القرار اللاموضوعي ، ولكن علينا أن لا نتمحّل فنتصور المستشرقين أتقياء بررة ، فنحملهم أكثر من طاقاتهم المتعارفة ، ولا نتغطرس فنجعلهم مثالا للأنانية ، فهم بشر ، والبشر فيه الصالح والطالح ، وهم ملتزمون بعقائد معينة ، قد يصاحب التزامهم هوى ، وقد تفرض النفوس الموضوعية.
إن الفهم الاستشراقي للقرآن قد يختلف أحيانا عن فهمنا له ، لأسباب متأصلة ، تمليها ظروف نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، وقد تمليها نزعات عدائية حينا ، وتبشيرية حينا آخر ، وهنا يكمن الخطر المتفاقم إذ قد يشذّ المستشرق في هذه الأحوال عن الصواب ، وهنا يعامل النص العلمي بمنظور اليقظة والحيطة والحذر إذ قد يتجنى على العلم والحق.
وقد يختلف أحيانا عن فهمنا له ، لهموم علمية وأكاديمية تعتبر أجدى نفعا عندهم وأكثر تحصيلا مما هي عندنا.
وقد يختلف أحيانا عن فهمنا له لأنهم لا ينظرون إلى القرآن نظرة تقديس نظرتهم إلى التوراة والإنجيل ، فيكون التقصير مفروضا من داخل النفس الاستشراقية.