يتوافر المترجمون على استنباط هذه الخصوصيات؟ هذا ما يخالجنا فيه الشك؟ وهل تتحقق ترجمتها على أصولها في جرسها ونغمها حتى مع القدرة على اكتشافها؟ هذا ما سنتناوله في جزئيات تطبيقية فيما يلي :
١ ـ قال تعالى : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ) (١). فاللفظة متشاكسون تعبر لغة عن المخاصمة والعناد والجدل في أخذ ورد لا يستقران ، وقد تعطي بعض معناها الكلمة ( متخاصمون ) ولكن القرآن لم يستعملها وفاء بالدلالة الصوتية التي جمعت بين حروف الأسنان والشفة في التاء والشين والسين تعاقبا تتخللهما الألف والكاف فأعطت هذه الحروف نغما موسيقيا خاصا حملها أكثر من معنى الخصومة والجدل والنقاش بما أكسبها من أزير في الأذن يبلغ به السامع بأن الخصام قد بلغ درجة الفورة والعنف من جهة ، كما أحاطها بوقع شديد يؤثر في الحس والوجدان من جهة أخرى. ولدى ترجمتها إلى الانجليزية مثلا. فإنها تتردد بين تركيبين يدلان على المخاصمة والمشاكسة.
فالمخاصمة تترجم : To disPute
والمشاكسة تترجم : ILL TemPered
ولا دلالة صوتية لهما ، ولا تلمس جرسا موسيقيا بهما كما في لغة الأصل.
٢ ـ واللفظة ( صفوان ) من قوله تعالى : ( كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ ) (٢).
تعطي صورة الحجر المتكلس الذي يجتمع من ذرات متراكمة غير قابلة للانفصال ، فهو يتماسك ويتصلد بعد أن يخالطه التراب المهيل من هنا وهناك ، فيباكره تقاطر المطر ، وتدافع السيول فبدلا من أن يهش ويلين ويتفتت ، وإذا به يعود كتلة حجرية واحدة صلبا لا ينفذ ومتحجرا لا ينقد ، ولا تحقق لنا الترجمة الدلالة الفصيحة المركزية لهذا اللفظ بكل محتوياتها.
__________________
(١) الزمر : ٢٩.
(٢) البقرة : ٢٦٤.